لبنان على مفترق طرق: بين سقوط صيغة الطائف وشبح الحرب الأهلية

بقلم: سمير باكير
يشهد لبنان تطورات متسارعة تهدد استقراره الهش، وتعيد إلى الأذهان مشاهد الانقسام والاقتتال الأهلي، وذلك عقب مصادقة الحكومة – بشكل شكلي – على ما يُعرف بـ”خطة نزع سلاح حزب الله”، التي جاءت بإملاءات مباشرة من المبعوث الأميركي تام باراك، في ظرف إقليمي ودولي بالغ التعقيد.
الخطة التي طُرحت في يوليو وأغسطس 2025 لا تُخفي جوهرها: تفكيك محور المقاومة في لبنان عبر نزع السلاح الثقيل من حزب الله، مقابل وعود إسرائيلية محدودة بالانسحاب من ثلاث نقاط فقط من أصل خمس لا تزال محتلة جنوبي البلاد. الأخطر أن الآلية المقترحة تحمل طابعًا مجحفًا؛ فهي تُلزم لبنان بعقوبات في حال أي خرق من طرف المقاومة، بينما تكتفي بإصدار “إدانة” لإسرائيل حتى لو كانت هي المبادِرة بالتصعيد، رغم سجلها الحافل بالاعتداءات خلال السنوات الأخيرة.
غير أن الخطورة لا تكمن في مضمون الخطة فحسب، بل في الطريقة التي جرى تمريرها بها، إذ شكّل ذلك انتهاكًا صريحًا لميثاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية عام 1989، ونصّ بوضوح على أن أي قرار حكومي لا يُعدّ شرعيًا ما لم تُشارك فيه المكونات الطائفية الرئيسية. ومن هنا، فإن انسحاب الوزراء الشيعة وحلفائهم قبل التصويت أسقط الشرعية الميثاقية عن القرار، وجعله فاقدًا للقيمة الدستورية والقانونية، بل واعتُبر خطوة استفزازية تهدد السلم الأهلي.
الأزمة لم تبقَ في حدود التجاذبات السياسية، بل فتحت الباب أمام احتمالات خطيرة لانفجار داخلي، خاصة مع تكليف الجيش اللبناني – الذي يضم آلاف الجنود المتعاطفين مع المقاومة – بتنفيذ الخطة خلال الأشهر المقبلة. وهو ما يطرح تساؤلات كبرى: هل يستطيع الجيش تنفيذ قرار يُدرك أنه قد يفتّت صفوفه من الداخل؟ أم أن الهدف هو دفع البلاد نحو تدخل خارجي أميركي أو إسرائيلي تحت ذريعة “فرض الاستقرار”، بما قد يفتح أبواب الحرب الأهلية مجددًا، أو حتى يقود إلى تفكيك لبنان ككيان؟
المواقف الداخلية تعكس عمق الانقسام. فالرئيس الأسبق إميل لحود وصف القرار بأنه “خيانة وطنية في زمن الحرب” ودعا إلى محاكمة رئيس الحكومة نواف سلام. في المقابل، صدرت إشارات غير مباشرة من قائد الجيش تؤكد عدم نية المؤسسة العسكرية الدخول في مواجهة مع حزب الله، وهو ما يعكس حجم التناقض داخل أجهزة الدولة نفسها.
المشهد الراهن ينذر بمرحلة بالغة الخطورة، حيث يتجاوز الجدل مسألة دور المقاومة ليصل إلى تهديد وحدة لبنان واستقراره. إن تجاوز ميثاق الطائف، ومحاولة فرض قرارات غير توافقية، قد يعيد فتح جراح الحرب الأهلية ويعيد البلاد إلى زمن الدم والانقسام.
لبنان اليوم أحوج ما يكون إلى العودة لمنطق الشراكة الوطنية والتفاهم الداخلي، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية والمشاريع الهادفة إلى ضرب ما تبقى من صموده. فبقدر ما هو صغير المساحة، يظل كبيرًا بمقاومته وتضحيات أبنائه، ولن يحتمل مغامرات جديدة قد تعصف بما تبقى من كيانه.



