كل يوم مذبحة.. وكل يوم صمت: هل غزة ما تزال تنتمي إلى العالم الإنساني؟

بقلم: سامر شعلان
لا تمرّ ساعة في غزة إلا ويُزف فيها شهيد، ولا تغرب شمس يوم إلا وتُنتشل مئات الأجساد من تحت الركام. تحوّل عدّ الشهداء إلى روتين يومي يشبه متابعة درجات الحرارة؛ أرقام تتأرجح بين مئة ومئة وخمسين شهيدًا في اليوم، معظمهم من الأطفال والنساء، دون أن يهتز للعالم جفن، أو تتعرّق ضمائر ساسته.
القصف لا يتوقف، والاستهداف ممنهج ودقيق. تطال الصواريخ المستشفيات والمخابز، مراكز الإيواء والمساجد، بل حتى العيون التي تدمع والقلوب التي ترتجف. ومع كل هذا، يُشدَّد الحصار: لا ماء، لا طعام، لا دواء، ولا كهرباء. غزة تحترق، والعالم يتأمل احتراقها كما لو أنه يشاهد فيلمًا مملًا بلا نهاية.

في ظل كل ذلك، ينبثق سؤال مرير:
هل ما زالت غزة تنتمي إلى العالم الإنساني؟
هل توقفت مواثيق جنيف عند حدود النقب؟ لماذا يُعامل أهل غزة وكأنهم فائض بشري؟ لا تستحق دماؤهم أن تُدوَّن في دفاتر السياسة، ولا بكاؤهم أن يُبث في نشرات الأخبار إلا كإحصاء بارد لا يثير سوى التثاؤب؟
الغرب، على الأقل، لم يُخفِ موقفه. أعلن بوضوح وقوفه الكامل مع الكيان المحتل سياسيًا، وعسكريًا، بل وأخلاقيًا أيضًا. قادته يتسابقون لتأكيد “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، مع أنها لم تقاتل جيشًا يومًا، بل دأبت على قصف العائلات النائمة والخيام المنهكة.
لكن ما هو أشد إيلامًا من القصف ذاته، هو صمت الأشقاء.
صمتٌ عربيٌ وإسلاميٌ مريع، يكتفي ببيانات شجب باهتة تُتلى ببرود على منصات المؤتمرات، لا تقنع أحدًا ولا تردع أحدًا. وكأن بعض الأنظمة قد تآلفت مع مشهد الدم الفلسطيني، بل وربما اعتادته إلى حد البلادة.

تحوّل الانبطاح إلى خيار سياسي رسمي، والاستسلام إلى سياسة لا بديل لها.
تُركت غزة تواجه الجحيم وحدها: لا جسرًا جويًا، لا موقفًا دبلوماسيًا حازمًا، ولا حتى صرخة غضب حقيقية في المحافل الدولية. بل إن بعض العواصم تتعامل مع ما يجري كأنه “أمر واقع”، وكأنما سُلب منها حتى الحق في الغضب.
وفي النهاية، ما الذي تبقّى؟
أطفال يُقصفون في أحضان أمهاتهم، مآذن تهوي على رؤوس المصلين، مستشفيات تعمل بلا وقود، وقلوب تبكي في العتمة ولا تجد من يواسيها.
تبقّى الألم، وتبقى الحقيقة العارية التي ينبغي أن نواجهها:
ما يجري في غزة ليس مجرد حرب.
إنه اختبار فاضح لإنسانيتنا.
وفشل أخلاقي كبير في زمنٍ أصبحت فيه الحقوق تُقاس بالحسابات، والدم يُوزن بالمصالح، والعدالة تُؤجَّل إلى إشعارٍ لا يأتي.



