GreatOffer
آراء

كلاب .. ودلالة!

بقلم : حسين الذكر

Advertisement GreatOffer

رغم أن أشد ما يُشتم به الرجل الشرقي ، خاصة ، أن يُوصف بالكلب ، إلا أنني كلما قرأت عن وفاء هذا الحيوان ازددت يقينًا بأنه يحمل دروسًا وعبرًا حياتية تستحق التأمل. ليست هذه العبر على طريقة الفيلسوف الهندي بيدبا ، وما ترجمه الأديب الفارسي عبد الله بن المقفع في “كليلة ودمنة”، بل إن الواقع نفسه يحمل شواهد تثبت أن الكلاب قد تكون رمزًا للوفاء أكثر من بعض البشر.

في العديد من المدن العالمية ، نُصبت تماثيل تخلّد إخلاص الكلاب، كتمثال ذلك الكلب الذي ظل ينتظر صاحبه في محطة القطار التي اعتاد أن يصطحبه إليها، حتى بعد وفاة صاحبه في حادث عرضي. فبقي الكلب مخلصًا في انتظاره حتى مات في المكان ذاته. هذا الوفاء ليس مجرد قصة عابرة بل هو درس في الإخلاص والتفاني في العلاقة بين الإنسان والحيوان.

Advertisement

قبل أيام ، استمعت إلى حديث جانبي بين رجلين ، بدا أنهما صاحبا محلين تجاريين ، يشكوان همومهما. قال الأول متذمرًا : “لقد سئمت المستأجرين ، كل واحد منهم يستأجر شهرًا أو شهرين، ثم يرحل دون دفع الإيجار، أو يخرب المحل ويسرق بعض محتوياته، حتى المصابيح والمراوح لم تسلم!”

ردّ الآخر بلهجة ساخطة: “محنتي أشد! استأجرت عمالًا لكنهم إما قليلو الخبرة أو أميّون يتسببون في خسائر فادحة ، أو عديمو الأمانة يسرقون دون رادع ، أو غليظو المعاملة مع الزبائن ، فينفرونهم ويخسروننا ، أو مشغولون بهواتفهم ، فلا يعيرون العمل أي اهتمام!”

وبينما كانا يسردان مشاكلهما المتراكمة ، ويقتربان من اتخاذ قرار بيع المحل والتخلص من عنائه ، تدخلتُ على سبيل المزاح : “قبل عقدين ، وخلال دورة إعلامية حضرتها ، روى لنا المحاضر الأوروبي قصة عجيبة عن طبيب شاهد كلبًا يعرج قرب منزله ، فأشفق عليه وأخذه معه ليعالجه. ظل الكلب في رعاية الطبيب لعشرة أيام حتى تعافى ، ثم أعاده الطبيب إلى المكان الذي وجده فيه. وبعد شهر ، سمع الطبيب طرقًا وضجيجًا عند باب منزله ، وحين فتح الباب ، وجد الكلب ذاته ، لكنه لم يأتِ وحيدًا هذه المرة ، بل اصطحب معه كلبًا آخر مصابًا بكسر في ساقه ، وكأنه يطلب للطبيب أن يعتني به كما اعتنى به من قبل!”

ضحك الجميع من القصة ، لكن أحد الرجلين علّق ساخرًا : “يبدو أن الحل لمشكلتي هو أن أجد عمالًا يتحلون بوفاء الكلاب الأصيلة!”

هذه القصة تبرز واحدة من أعمق خصال الكلاب : الوفاء. في الواقع ، الكلاب تُعدّ رمزًا للإخلاص في الكثير من الثقافات حول العالم. ففي اليابان ، يُعتبر كلب “هاتشيكو” مثالًا حيًا على الوفاء ، حيث انتظر صاحبه في محطة القطار يوميًا لمدة تسع سنوات بعد وفاته ، وأصبح معلمًا للوفاء عبر الأجيال.

الكلاب تظل نموذجًا حقيقيًا للإخلاص والتفاني. وفي زمن تتسارع فيه التغيرات ويُصبح الوفاء نادرًا ، يظل الكلب يُعلمنا دروسًا عن الأمانة ، وحسن المعاملة ، وضرورة الوفاء بالعهد. ليس فقط في العلاقات بين البشر ، ولكن في كل جانب من جوانب حياتنا اليومية.

إذا كان هناك درس يمكن أن نتعلمه من الكلاب، فهو درس الوفاء. دروس الحياة التي تقدمها لنا هذه الكائنات الصغيرة كبيرة الحجم من حيث معانيها وعبرها. يمكن أن يكون الكلب مرشدًا لنا في التعامل مع الآخرين بإخلاص وصدق، في وقت يحتاج فيه العالم إلى المزيد من هذه القيم الإنسانية النبيلة.

كلاب
حسين الذكر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى