قوات دولية في غزة .. حماية أم بوابة لمجزرة جديدة على غرار سربرنيتسا؟

بقلم: سامر شعلان
تتصاعد اليوم في الساحة الفلسطينية موجة جدل حاد حول احتمال إرسال قوات دولية أو عربية بقيادة مصرية، بدعم أمريكي ومباركة الكيان الصهيوني، لتحل محل قوات الاحتلال في قطاع غزة. هذا التطور يثير قلقًا عميقًا ليس فقط في أوساط الفلسطينيين، بل في الشارع العربي بأسره، إذ يُنظر إليه كإنذار خطير لمستقبل القضية الفلسطينية، التي حملت عبر عقود طويلة تاريخًا مثقلاً بالمعاناة والتضحيات.
التنسيق الأمني.. عقدة مزمنة في المشهد الفلسطيني
لا يمكن قراءة هذه التحركات بمعزل عن السياق التاريخي الراهن، خاصة في ظل استمرار التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال، وهو ملف ظل محور جدل وانقسام داخلي على مدى عقود. والسؤال الملح: هل نحن أمام إعادة إنتاج للتاريخ بوجوه جديدة وأهداف مغايرة؟
منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في التسعينيات، فرضت السلطة الفلسطينية شكلًا من أشكال التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال، خصوصًا في الضفة الغربية. وبرغم تبرير السلطة لهذا التنسيق باعتباره ضرورة لحفظ الأمن، فقد وُوجه بانتقادات واسعة اعتبرته تعاونًا مع الاحتلال ومصدرًا لتقويض المقاومة الوطنية.
وخلال الانتفاضة الثانية (2000-2005)، تصاعدت هذه الانتقادات مع اتهام أجهزة السلطة بالمشاركة في ملاحقة المقاومين، ما عمّق الانقسامات الداخلية وفقدان قطاعات واسعة من الشعب الثقة بمؤسسات السلطة. واليوم، يبدو الإصرار على نزع سلاح المقاومة – سواء من السلطة أو من غالبية الأنظمة العربية والغربية – أمرًا مدهشًا، وكأن مقاومة الاحتلال لم تكن يومًا جوهرًا ثابتًا في مسيرة الشعوب الحرة.
من البوسنة إلى غزة.. الدرس القاسي
في مقاله الشهير “افهموا البوسنة أولًا حتى تفهموا غزة”، استعاد الكاتب الكبير فهمي هويدي مأساة مسلمي البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، حين قُتل أكثر من 300 ألف مسلم، واغتُصبت عشرات الآلاف من النساء، وهُجّر الملايين من ديارهم.
عام 1995، شهدت مدينة سربرنيتسا جريمة مروعة حين أقنعت قوات حفظ السلام الهولندية المدافعين عن المدينة بتسليم أسلحتهم مقابل الأمان، قبل أن تسلمهم للقوات الصربية التي نفذت مجزرة أودت بحياة أكثر من 8 آلاف رجل وفتى.
واليوم، مع الحديث عن تدخلات دولية أو عربية “برعاية” أمريكية وصهيونية، يطرح السؤال نفسه: هل تتحول غزة إلى سربرنيتسا جديدة؟ أم أن التاريخ سيعيد نفسه، ولكن بزي عربي هذه المرة؟
مخاطر الانقسام وإعادة إنتاج المأساة
أي تدخل خارجي في الشأن الفلسطيني – خاصة إذا جاء بموافقة الاحتلال – ينطوي على مخاطر مضاعفة على وحدة الصف الفلسطيني. التجارب السابقة أثبتت أن مثل هذه الخطوات غالبًا ما تنتهي بخدمة أجندات غير فلسطينية، وتفتح الباب أمام جولات جديدة من الانقسام والتفكك.
القضية الفلسطينية، وخصوصًا قطاع غزة، تحتاج اليوم إلى وحدة وطنية حقيقية ودعم عربي صادق يحترم السيادة الفلسطينية ويحفظ الحقوق المشروعة، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والإملاءات الدولية.
التاريخ لا يرحم من يكرر أخطاءه
التاريخ يعلمنا أن تكرار الأخطاء دون استخلاص العبر يفتح الباب لمآسٍ جديدة. الحذر والوعي والتمسك بالثوابت الوطنية هما السبيل الوحيد لإنقاذ القضية الفلسطينية من الانزلاق إلى سيناريوهات كارثية.
وكما قال الكاتب الكبير في مقاله: “قصص التاريخ لا تُروى للأطفال ليناموا، بل تُروى للرجال ليستيقظوا.”



