غياب الفكر والدعم .. وراء “هموم المسرح العربي”
كتب : علي باقر
رسائل المسرح الواعي يجب أن تتواصل من أجل التثقيف المستمر للأعضاء القائمين على النشاط المسرحي في المؤسسة الفنية ، حتى يقدم رسالته الفنية بصورة تتماشى مع صور الحداثة والإلمام بوعي دون تخبط. فقد لاحظتُ الخوض في مشاريع لعروض مسرحية إخراجاً أخذت صوراً خارجة النمط السائد وهذا في حد ذاته جميل أن المخرج يبتكر في رؤاه الإخراجية صوراً مشهدية جمالية ، لكسر النمطيَّة السائدة ، ولكن يتطلب منه عدم الولوج شكلياً وإنما يعزز رؤاه بالدراسة و المعرفة إن أتيحت له أو النَّهل من الخبرات الأكاديمية دون خجل ، فالله سبحانه جبلنا على المدنية والمعايشة والاستفادة من الأفكار ، وقد وضع لنا منهجاً أوضحه فقد قال سبحانه وتعالى “نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم” ، فلا خجل في إكتساب المعارف والعلوم.
ولعل التدريبات المسرحية التي يخوضها المخرج مع مجموعة الممثلين هي صورة في التعليم ، وتتجدد الافكار من خلال قيادة مخرج مولع بالعمل الفني ، ولكن ماهو سائد بين الشباب اليوم في معظم تجاربهم نجدهم منغلقين على أنفسهم دون قراءة مستفيظة أو فهم عميق واع ، أو الاستعانة بمتخصصين يمكن أن يضيفوا إلى التجربة أسسس ومقومات أكاديمية ، أو إشراف فني واعي يكون بمثابة العصف الذهني يعينه ويساعده في استنهاض وتحفيزخياله وفهمه ، ليصل إلى الجودة ويكون هذا شكلا تدريباً له يتعلم منه ، ليخطوا إلى الأمام بخطى ثابتة في الإخراج المسرحي أو القيادي لمجموعة الممثلين.
حول ما تتعايشه مسارحنا المعاصرة وجدت نفسي في لقاء فني جميل أثناء زيارتي لتجمع الفنانين العراقيين في مساء يوم الجمعة الموافق 20 يناير 2023 في تمام الساعة السادسة و كنت برفقة الاستاذين : الدكتور عبدالكريم خنجر و الدكتور هيثم العامري أكاديمين وهما عضوان في مركز تجمع الفنانين العراقيين يدرسان علوم المسرح بكلية الفنون الجميلة ببغداد فكاشفتهما بالهموم فنياً.
أشرت لهما عن معرفتي المتواضعة أن المهرجانات المسرحية في الوطن العربي أخذت طابعاً خاصاً حكراً على العروض النَّوعية بغية المشاركة بها في مهرجانات داخلية وخارجية ، لايمكن أن تحصل منها على مردود مالي ، كما أن التَّدرب فيها مضنٍ ومتعب يستغرق شهور وعمر عرضها إن طال لايتجاوز العرضين أو ثلاثة ولا تستفز الجمهور يقبل عليها.
وأن المهتمين بالمسرح أو المخرجين في مسارح الوطن العربي لايشجعون الفنانين على أن يقدموا عروضاً كوميدية جماهيرية. ولعل ما أعجبت به حقيقة هو مجلس إدارة فرقة الرستاق العُمانية المسرحية وأشير إلى الفنان الأستاذ محمد بن خميس المعري والفنان خالد الضوياني ، فقد أخذا على عاتقهما تنظيم مهرجان الرستاق المسرحي الدُّولي للعروض الكوميدية ، وقد كانت دورته الأولى في نوفمبر 2016 وكان لي شرف الحضور في دورته الأولى ، والاستمتاع بالعروض المسرحية الكوميدية العُمانية والدولية المتنافسة ، كما قُدِمت أيضاً الدورة الثانية منه في 2017 ثم توقف المهرجان السخي بالمسرحيات الكوميدية بسبب انتشار جائحة كورونا ، ونأمل أن يعود في عُمان وتبادر بتنظيمه المسارح الخليجية أيضاً ، وبهذا أرى أن فرقة الرستاق المسرحية العُمانية في سلطنة عُمان هي الأولى ليس خليجياً و إنَّما عربياً في إحياء المسرح الكوميدي في الوطن العربي ، ولكن نأمل أن نتفاعل مع تجربة مهرجان الرستاقيين العُمانيين بعروض مسرحية كوميدية بعيدة عن الاسفاف والحشو والتمطيط والتهريج ، وأن تقوم المسارح بدورها التعليمي من خلال إقامة ورش فنية لأساتذة متخصصين تدرب المخرجين والممثلين المحبين لهذا النوع من المسرح وتعينهم في بناء المواقف الكوميدية وتوظيفها ضمن المشاهد المسرحية لتدفع المتلقي لحضورها والإعلان عن إعجابه بها.
ولا أخفي عليكما أستاذي أنني نقلت هذه التجربة إلى مسرح الريف و قدمنا مهرجان الريف الكوميدي الأول وكان ناجحاً ، ولكن مع الأسف الشديد توقف لقلة الأعمال الكوميدية الناضجة في المسارح وحتى مراكز التمكين الشبابية أيضاً ، فما نشاهده اليوم سوى عروض تجارية تتجاوز الساعة في الزَّمن وبعضها مليئة بالحشو والإسفاف والتهريج.
الدكتور عبدالكريم خنجر تحدث لي : أن ما قلته صحيح عن مهرجان الرستاق الدولي للمسرح الكوميدي فأنت حضرت النسخة الأولى مهرجان الرستاق العُماني وأنا حضرت و تشرفت وقدمت ورشة في “المسرح الكوميدي” عام 2017 . ولعل أسباب العزوف تنحصر في جوانب عديدة منها : عدم التشجيع وتفعيل الورش الفنية وحتى الدراسون في الدراسات العليا يعانون فلاتوجد كتب عن المسرح الكوميدي في المكتبات العربية . إضافة إلى أن العروض الكوميدية تحتاج إلى نوعية من الممثلين القادرين على التجسيد الكوميدي للمواقف ، كما لايتوفر الدعم المالي والإعلان الإعلامي ، وأهم مشكلة تعترض المسرح الكوميدي أنه لايوجد مخرجون متخصصون في المسرح الكوميدي لديهم القدرة على اختيار مجموعة الممثلين القادرين على تجسيد الكوميديا في قوالب تشكل مواقف كوميدية ، ويمكنهم المحافظة على فكرة العرض وأهميته للجمهور. و أن البحث عن أعمال كوميدية يتطلب جهداً خاصاً في البحث وتشكيل لجان فنية واعية بهذا النوع يمكن أن تعصف ذهنياً مستمرة بعملها أنثاء فترة التدريبات.
أحببت في نهاية لقائي الفني بالأستاذين أن أوجه لهما سؤالين أختتم بهما هذه التغطية الإعلامية المثرية فوجهت سؤالا إلى الأستاذ الدكتور عبدالكريم خنجر بصفته المتخصص في المسرح الكوميدي ومسرح الشارع أن يحدثني عن الأسس و المقومات لهما من أجل استفادة المخرجين الذين يتصدون لإخراج عروض مسرحية وينتابهم اللبس فلايفرقون بين الاسفاف التهريجي للإضحاك وبين العرض الكوميدي كما لا يفرقون بين العرض المسرحي الفرجوي بفضائه وبين مسرح الشارع فأجاب : بلاشك أنهما هذين النوعين من المسرح فنين لهما عناصرهما التي تختلف عن العناصر الأخرى ، ولهما مميزات تختلف عن الفنون الأخرى ، وباختصار .. الكثيرون يعملون في الجانب الكوميدي دون معرفتهم بالعناصر الأساسية في الكوميديا ويرجع ذلك لقلة ترجمة الكتب التي تعني بالمسرح الكوميدي في الوطن العربي .. فأنا ترجمتُ كتاب نظرية الكوميديا خلال دراستي في جامعة ” شيفيلد ” البريطانية ، ووجدت أسساً وعناصر مهمة ينبغي على المخرج المتصدي الإلمام بها منها : تقنيات الكوميديا وهي عديدة موجودة في كتابي أهمها : أن نتطرق إلى نظرية التكرار ونتطرق إلى النكتة وإلى التناقض وإلى المفاجأة وإلى الكوميديا البدل ، كما أن هناك شكل آخر منه : تقنية السخرية وتقنية التهكم وهاتين التقنيتين مهمتين جدا في صناعة المواقف الكوميدية ، كما أن هناك تقنيات أخرى يطول البحث فيها ، فكل هذه الأدوات عندما تطبق في أي عمل مسرحي سنجد المخرج يتجه بالعرض المسرحي إلى منحى كوميدي هادف وصحيح. فكتاب نظرية الكوميديا مهم جداً . لقد طبع أربع مرات و أعتقد أن الطبعة الخامسة الآن تطبع وآخرها وزعت في جمهورية مصر خلال مهرجان الأقصر الثقافي.
أما مسرح الشارع فالكثير من المخرجين يعرضون مسرحياتهم في الفضاء ويعنونون مسرحياتهم بأنها تنتمي لمسرح الشارع .. فهذا لبس يحتاج مني إلى تصحيح ، فمسرح الشارع هناك من نسَبهُ إلى بسبس وهناك من نسَبهُ إلى كوميديا دلارتا وهناك من نسبه إلى مولير على أنه قدم في الفضاء ولكن هناك ثمة خصائص استعرضها باختصار منها : أن لايتجاوز العرض خمسة عشر دقيقة ، والسبب أن جمهور مسرح الشارع تجده بالصُّدفة لاتوجه له دعوة والمتلقي هو في الأساس غير مستعد لمشاهدة العرض و إنما وقف يستكشف تجمعاً في الشارع ، لذا فإطالة العرض يؤثر على المتلقي صحياً فربما بعضا منهم يعانون من الأمراض.. هناك من يضع كراسي للمشاهدين أو مساطب ليجلس عليها الجمهور هذا ليس بمسرح شارع ، مسرح الشارع ليس له دعوة وبطاقة حضور فهو موجود في أي لحظة ، كما أن مسرح الشارع ليس به ديكور و إن وجد فلا ينبغي أن يرتفع فيكون أعلى من الممثل لأن وجوده يحجب الرؤية عن المتلقي الذي يقف في أي مكان للمشاهدة ، وأشير إلى جانب آخر أن مسرح الشارع لايعنى بالمواضيع الاجتماعية المحبوكة بصراعاتها والتراجيدية أو القصص الطويلة و أنما يعرف بموضوعاته البسيطة القريبة من الجمهور في حياتهم اليومية وقد يكون قريب من المسرح السياسي ، كذلك أن أداء الممثلين بمسرح الشارع يختلف عن النوعيات الأخرى ، كمايجب أن لا نستخدم فيه التقنيات السحرية أو تقنيات المسرح كما هو الحال في مسرح برشت أو استانسلافسكي ولا يتطلب من الجمهور التدخل والمناقشة بأشكال التفاعل مع العرض حتى لايطول العرض فمسرح الشارع لايتجاوز خمسة عشرة دقيقة فقط.
وتحدثت مع الدكتور هيثم العامري أستاذ المسرح المدرسي بكلية الفنون الجميلة عن المسرح المدرسي ودوره في التعليم أكاديمياً فأجابني : لأشك أن المسرح المدرسي من المسارح المهمة الذي أعتمد عليه في بعض الدول الأوربية قبل الدول العربية ، وترجع أهميته إلى مسرحة المناهج المدرسية التي تعين الطلاب والطالبات في دراستهم وتصقل شخصياتهم ، لذلك نجد المسرح مهتماً بالطفل وتعليمه من خلال المسرحيات التَّعليمية ومسرحيات الدمى . وأن مسرح الطفل لايقل شأنا عن مسرح الكبار، ولهذا ازداد الاهتمام بالمسرح المدرسي بأشكاله التعليمية فمن خلاله يمكننا خلق جيل ثقافي مصقول بمهارات فنية تساعده على التَّعلم وفهم المناهج المدرسية في جميع المراحل التعليمية منذ الصغر ، ونأمل من أخواننا في بلدان الخليج العربي أن يهتموا بهذا النوع من المسرح الذي ينبغي أن يتماشى مع تعليم الطلاب في مراحل حياتهم الدراسية وحتى وبعد تخرجهم من الجامعات.
كتب : الإعلامي والفنان “علي باقر” عضو فرقة “الريف” المسرحية البحرينية ، وأحد رواد المسرح البحريني والعربي.