آراء

غزة… وصمة عار في جبين الإنسانية التي تحتفل بميلاد المسيح

بقلم: د. يوسف حسن

Advertisement

في هذه الأيام، يعجّ العالم بالبهجة والاحتفال بمناسبة ميلاد السيد المسيح، عيد الميلاد المجيد، ويستعد لاستقبال عام جديد مع الأول من يناير. وكالعادة، تخرج العائلات أغراضها القديمة، وتُجدّد منازلها بالطلاء وترتيب الأثاث، ويمسك الآباء والأمهات بأيدي أبنائهم متجهين إلى الأسواق لشراء ملابس جديدة، فيما تتزين الموائد بأصناف الطعام احتفاءً بميلاد المسيح وبداية عام جديد، وتفوح في البيوت رائحة الأزهار.

يلقي السياسيون خطابات منمّقة، ويطلقون وعوداً بمستقبل أفضل، ويوجّه بابا الفاتيكان، زعيم المسيحيين في العالم، رسائل محبة وسلام، متمنياً عالماً يسوده العدل والرحمة وتتوقف فيه الحروب. ويا ليت لهذه الرسائل آذاناً صاغية وقلوباً واعية في هذا العالم!

Advertisement

غير أن هذه الصور المشرقة لا تصمد طويلاً لدى أصحاب الضمائر الحيّة، إذ لا تلبث الابتسامات أن تتلاشى، ويخبو الفرح، حين تحضر إلى الذاكرة غزة؛ ذلك الركن المنكوب من هذا العالم، حيث فقد عيد الميلاد معناه منذ أكثر من عامين، ولم يعد يناير بداية عام جديد مفعم بالألوان والآمال.

في غزة، لم تعد هناك منازل لتُزيَّن، ولا أثاث جديد يُجلب، ولا موائد تُمدّ. لم يعد هناك آباء وأمهات يشترون ملابس جديدة لأطفالهم أو يطهون طعاماً دافئاً وخبزاً طازجاً، فقد قضى كثير منهم تحت نيران القذائف، ومن بقي حيّاً لا يملك سوى خيام ممزقة تحت المطر، ولا يجد ما يحتفل به أو يحتفي لأجله.

في غزة، لا طعام يُفرش على الأرض، ولا أسرّة دافئة تضم الأجساد الصغيرة. هناك، ارتدى آلاف الأطفال الأكفان بدلاً من ملابس العيد، وذرفت الأمهات دموعهن لتروي شفاه أطفالهن العطشى، مدركات أن الأنفاس قد شارفت على الانقطاع، وأن التراب البارد بات الملجأ الأخير لأجساد هزيلة أنهكها الجوع والبرد.

وهذا المصير لم يقتصر على المسلمين في غزة، بل طال المسيحيين أيضاً، الذين سقطوا ضحايا للقصف أو للحصار والمجاعة والبرد، كما دُمّرت كنائس كانت تأوي آلاف المدنيين، في مشهد يناقض أبسط القيم الدينية والإنسانية.

وفي الوقت الذي كان فيه قادة الغرب يبعثون تهانيهم بعيد الميلاد ورسائل السلام، كانت طائرات الشحن تُحمَّل بالأسلحة بتوقيعاتهم، لتُلقى على سكان غزة. وبينما يُوزّع “بابا نويل” الهدايا على أطفال العالم، كانت هدية أطفال غزة الجوع والبرد والرصاص، في صورة تُجسّد أقسى مفارقات هذا العيد.

نعم، غزة وصمة عار في جبين إنسانية تحتفل بميلاد المسيح، لكنها تخلّت عن قيمه ورسالته. فالمسيح دعا إلى العدل والسلام والمحبة والمساواة ونصرة المظلوم، غير أن هذه القيم لا يبدو أنها تعني شيئاً لكثير من قادة الغرب ومدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، الذين يباركون القتل بالصمت، ويمنحون القاتل حرية الاستمرار في جرائمه.

واليوم، بدلاً من تبادل التهاني بعيد الميلاد، يبدو أن العالم مطالب برسالة اعتذار إلى المسيح، لأن رسالته ذُبحت في غزة؛ رسالة مدّ اليد الرحيمة إلى الأطفال، ونصرة المظلومين، والدفاع عن كرامة الإنسان أينما كان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى