آراء

غزة تصرخ : الضمير الغربي حاضر.. والغياب العربي فاضح

بقلم: سامر شعلان

Advertisement

كل يوم، بل كل لحظة، تنقل الشاشات ووسائل التواصل من غزة مشاهد يعجز القلب عن احتمالها: أطفال يرحلون قبل أن يُودَّعوا، أمهات تبحثن بين الركام عن بقايا حياة، شيوخ يموتون عطشًا وجوعًا، ومدينة تُمحى من الوجود في أبشع مشهد عرفه التاريخ الحديث. إنها إبادة تُرتكب على مرأى العالم، بينما يسعى العدو إلى طمس حقيقتها عبر استهداف الصحفيين، كأنها مجرد لقطة عابرة في فيلم طويل أسود.

لكن ما يوجع أكثر من الدم والدمار، هو سؤال الضمير: أين العالم؟ وأين نحن؟

Advertisement

المفارقة الصادمة أن الصوت الأعلى لم يأتِ من عواصمنا العربية، بل من قلب عواصم الغرب. وزير خارجية هولندا قدّم استقالته احتجاجًا على الصمت أمام المذبحة، برلمانيون في إيرلندا وإيطاليا وإسبانيا واجهوا الاحتلال بكلمات صريحة، مقرّرة أممية كسرت جدار العجز، وفنانون وموسيقيون عالميون خاطروا بمستقبلهم المهني من أجل كلمة حق: من ريز أحمد إلى مادونا، ومن جولييت بينوش إلى بيب غوارديولا وجاري لينكر.

هؤلاء لم يجمعهم بغزة لا لغة ولا دم، بل ضمير حيّ دفعهم إلى الصراخ: كفى!

وفي المقابل، يخيّم على عالمنا العربي صمت ثقيل، يجرح القلب قبل الأذن. زعماء يتبادلون الابتسامات في مؤتمرات دبلوماسية وكأن غزة ليست جزءًا من لحمهم ودمهم، برلمانات غارقة في تفاصيل ثانوية، وفنانون ونجوم رياضة يلتزمون الصمت، إلا فيما يخص شهرتهم. كأن غزة يتيمة، بلا أهل في هذا العالم سوى بعض الأصوات الحرة القادمة من وراء البحار.

قد يقول البعض: هناك قيود سياسية، حسابات دولية، موازين قوى… لكن ما عذر الشارع؟ ما عذر الإعلام؟ ما عذر المثقف والفنان؟ هل بلغ بنا الضعف أن نصبح بلا أثر؟ هل مات فينا النداء؟

إنها لحظة تكشف مرارة الحقيقة: الغرب الذي اتهم طويلاً بالبرود تحرّك فيه ضمير، بينما نحن – أصحاب الدم والقضية – كأننا فقدنا القدرة على الكلام. سؤال يجلجل في الأعماق قبل العقول: هل مات الضمير العربي؟

غزة

فهل توقظنا مريم أبودقة لتذكرنا بالمرأة التي استنجدت بالمعتصم، بكل قلب يتشبث بالأمل وسط الخراب، وبكل روح تبحث عن النجاة في ظل الموت والدمار؟ خاصة بعد أن كتبت قبل استشهادها: “حين ترى التراب يغطي أغلى ما لديك، ستدرك كم هي تافهة الحياة.”

ويبقى النداء قديمًا متجددًا، صريحًا وصارخًا:

وا معتصماه!

غزة تستغيث… ولا مجيب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى