آراء

شبح الإعلام العربي: بين الاستبداد والإقصاء

بقلم: د. ليلى الهمامي

Advertisement

يُعد الإعلام، أو المؤسسة الإعلامية، أحد أبرز أسباب التوتر والأزمات في تونس، وربما في العالم العربي بشكل عام. فكيف تعمل هذه المؤسسات؟ كيف تتشكل وتتهيكل؟ وما أهدافها؟ ومن هم المنتمون إليها مهنيًا؟ هذه أسئلة جوهرية تضعنا أمام استحقاق إصلاح المنظومة الإعلامية، استنادًا إلى مقولة بسيطة:

“من لا يمتلك صناعة الرأي العام في بلده لا يمكن أن يكون سيدًا.” فالسيادة الوطنية تفترض القدرة على التحكم في صناعة الرأي العام.

Advertisement

اليوم، نعيش في حرب إعلامية على نطاق عالمي، حيث جعلت الثورة التكنولوجية الاتصال بين البلدان أمرًا لحظيًا، يمكن خلاله التواصل المباشر مع أي نقطة في العالم في أي لحظة. ومع ذلك، يبقى إعلامنا بعيدًا عن الحرفية، بغض النظر عن الدقة والمعطيات الإحصائية. فغياب المؤسسات الفاعلة وصعوبة الوصول إلى المعلومات الدقيقة تحد من قيمة التحليل وجديته.

المشكلة الأساسية تكمن في صعوبة الوصول إلى المعلومات الموثوقة، وهو تحد يواجه الباحث والإعلامي وكل من يسعى للاطلاع على الوضع الاقتصادي والاجتماعي. فغياب الإحصاءات الدقيقة والمفصلة وفق منهجيات البحث العلمي يعقد مهمة التحليل والرصد.

إضافة إلى ذلك، هناك مشكلة أخرى أقل تعقيدًا لكنها بالغة الأهمية: طريقة تعاطي الإعلام مع الأحداث والشخصيات. سواء كان الإعلام إلكترونيًا، ميدانيًا، كلاسيكيًا أو ورقيًا، فهو في كثير من الحالات متخلف. هناك ممارسة مستمرة للاقصاء والاستثناء، سواء في الإعلام الحكومي أو العمومي أو الخاص، وأحيانًا حتى في الإعلام الحر. المؤسسات الإعلامية تمارس فرز الضيوف، وتقصي الكفاءات من محللين ومفكرين وفنانين وإعلاميين وسياسيين، وفق مزاجيات شخصية أو مصالح جزئية.

في تونس، يبدو المشهد الإعلامي الحالي محصورًا بين السلطة ومن يواليها، وبين المعارضين لها. بعض المنصات الإعلامية تظل متأثرة جزئيًا بالمعارضات المرتبطة بالربيع العربي، لكنها تبقى محدودة التأثير.

تجربتي الشخصية كشفت عن أشكال مختلفة من العنف الإعلامي، لكنني حرصت على ضبط النفس والالتزام باللياقة الإنسانية، رغم محاولات بعض الإعلاميين ممارسة الاستبداد والتعسف في تقييم الأحداث والأشخاص. إن إعلامنا، في كثير من حالاته، لا يمكن أن يكون ديمقراطيًا أو عصريًا ما دام يخضع لمصالح شخصية أو جماعية، ويتستر خلف واجهة مزعومة للحيادية.

غياب الحرفية في الإعلام يدفع بعض “أشباه الإعلاميين” إلى تقديم أحكام مسبقة، وممارسة السحل الرمزي على المنصات الإعلامية باسم التحليل، فيما تُهمل المقاربات العميقة والجادة. هذه الظاهرة تجعل الإعلام مريضًا، يكرر نفس الشخصيات السياسية رغم ضعف تمثيلها، ويتحرك وفق خطوط خفية تشبه حرب الأشباح، حيث يختلط الإعلام بالبلطجة والابتزاز وقطع الطرق الرمزية.

من الضروري أن نواجه هذا الواقع، ونشير إلى مواطن الخلل قبل الحديث عن البرامج والرؤى المستقبلية، حتى نتمكن من بناء إعلام مهني قادر على المساهمة في الوعي الوطني والنهوض المجتمعي. إن الاستسلام للابتزاز والضغط الإعلامي من أشخاص يصفون أنفسهم زورًا بالإعلاميين، أمر غير مقبول، ويجب رفضه تمامًا.

العربي
د. ليلى الهمامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى