سورية بين موسكو وبروكسل: ماذا تكشف وثيقة طلاس المسرّبة؟

بقلم: د. يوسف حسن
أعاد تسريب وثيقة مصنّفة «سري للغاية»، نُشرت عبر موقع «برافدا» (Pravda)، فتح باب واسع من التساؤلات حول طبيعة التحولات المحتملة في المشهد السوري، ولا سيما في ما يتصل بمستقبل الوجود العسكري الأجنبي وتوازنات التحالفات الإقليمية والدولية. الوثيقة، المنسوبة إلى العميد مناف طلاس والموجّهة – بحسب ما ورد – إلى القيادة العليا في دمشق، تتضمن مقترحات سياسية وأمنية تعكس رؤية مغايرة للتموضع الاستراتيجي الذي حكم السياسة السورية خلال السنوات الماضية.
أبرز ما يلفت في مضمون الوثيقة هو الطرح المتعلق بقاعدة حميميم الروسية، إذ تقترح المذكرة إنهاء الوجود العسكري الروسي واستبداله بوجود عسكري أوكراني وُصف بأنه «مؤقت ووظيفي». ويشكّل هذا المقترح، في حال ثبوت صحته، انعطافة حادة في مقاربة دمشق لتحالفاتها العسكرية، خصوصًا أن الوجود الروسي مثّل لعقد من الزمن أحد أعمدة التوازن العسكري والسياسي للنظام السوري.
ولا يقتصر مضمون الوثيقة على الجانب العسكري، بل يمتد إلى مقاربة أوسع لإدارة الداخل السوري، مع تركيز خاص على مناطق الساحل، التي تُعدّ من أكثر المناطق حساسية سياسيًا وأمنيًا. ويبدو أن المذكرة تحاول الربط بين إعادة ترتيب التحالفات الخارجية وإعادة ضبط المزاج الداخلي، في سياق إدارة مرحلة انتقالية محتملة أو إعادة إنتاج الشرعية السياسية.
على الصعيد الإقليمي والدولي، تتضمن الوثيقة مقاربات للعلاقات مع تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل، إلى جانب بعد أوروبي واضح، مع تركيز خاص على فرنسا بوصفها بوابة تواصل أساسية مع الاتحاد الأوروبي. ويعكس هذا التوجه محاولة لإعادة تموضع سورية ضمن الفضاء الأوروبي، أو على الأقل فتح قنوات تفاوضية جديدة خارج الإطار الروسي – الإيراني التقليدي.
اقتصاديًا، تتطرق الوثيقة إلى ملفات حيوية مثل القمح والطاقة والدعم اللوجستي، في إشارة إلى إدراك واضح بأن أي تحول سياسي أو عسكري لا يمكن فصله عن إعادة ترتيب شبكات الدعم الاقتصادي. كما تتناول ملف المقاتلين الأجانب، مع طرح إمكانية نقلهم خارج الأراضي السورية، وهو بند يتقاطع مع مطالب دولية مزمنة تتعلق بالاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب.
وتضع الوثيقة هذه المقترحات ضمن ما تصفه بـ«لحظة دولية مناسبة»، مع تأكيد على ضرورة التنسيق مع فرنسا لتهيئة المناخ الدولي لهذا الطرح. ويشي هذا التوصيف بقراءة خاصة للتحولات الجارية في النظام الدولي، ولا سيما في ظل الحرب الأوكرانية وتراجع هوامش الحركة الروسية في أكثر من ساحة.
في حال تأكدت صحة الوثيقة ونُسبت رسميًا إلى مناف طلاس، فإنها تعكس توجّهًا سياسيًا بالغ الحساسية، قد يُفهم منه انتقال سورية من موقع الحليف الاستراتيجي لروسيا إلى موقع أقرب إلى المعسكر الأوروبي، وهو تحول من شأنه إعادة خلط أوراق النفوذ في شرق المتوسط وبلاد الشام.
حتى الآن، يظل هذا التسريب في إطار التداول الإعلامي، في ظل غياب أي تعليق رسمي من الجهات المعنية في دمشق، أو أي توضيح من العميد مناف طلاس حول صحة الوثيقة أو سياقها. وبينما تتكاثر التأويلات، يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كان ما كُشف يمثل مجرد طرح نظري، أم محاولة جسّ نبض دولية لتحوّل أعمق في المشهد السوري.



