سوريا : الأهداف والأسباب – تحليل استراتيجي
بقلم: د. أنيسة فخرو
سفيرة السلام والنوايا الحسنة – المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام
يشهد الملف السوري تعقيدًا بالغًا نظرًا لتداخل المصالح الإقليمية والدولية ، وتنوع الرؤى بشأن طبيعة الصراع ، أسبابه ، وتداعياته على المنطقة. في هذا التحليل ، نستعرض أبرز الآراء والاتجاهات التي تساعد في رسم صورة متكاملة لما يحدث في سوريا ، من منظور استراتيجي شامل.
الرؤية الأولى: النظام السوري بين الاستبداد والمقاومة
تعتبر الأنظمة العربية عمومًا ذات طابع سلطوي ، حيث تعتمد على القمع السياسي للحفاظ على استقرارها. والنظام السوري ليس استثناءً ، فقد تعامل بصرامة مع الانتفاضة الشعبية في 2011 ، مما أدى إلى تفاقم الأزمة. لكن على الجانب الآخر ، يظل النظام السوري الوحيد في المنطقة الذي لم يطبّع علاقاته مع الكيان الصهيوني ، بل كان داعمًا رئيسيًا للمقاومة في فلسطين ولبنان. ومنذ فشل إسرائيل في حرب 2006 ضد حزب الله ، تسارعت الخطط لإضعاف سوريا بوصفها الحلقة الأهم في دعم المقاومة ، وهو ما يجعل الأزمة السورية جزءًا من مشروع جيوسياسي أوسع.
الرؤية الثانية: فلسطين وسوريا – الترابط الاستراتيجي
لا يمكن فهم الصراع السوري بمعزل عن القضية الفلسطينية. فقد طرحت السعودية ، بدعم دولي واسع ، حل الدولتين كخيار واقعي لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ، وهو خيار تعارضه إسرائيل بشدة. ومع غياب التكافؤ في موازين القوى ، تبرز الحاجة إلى تحرك دولي لإجبار إسرائيل على القبول بهذا الحل ، بدلاً من استمرار سياسة الصدام العسكري غير المتكافئ ، والتي أدت إلى مآسٍ إنسانية كما نشهدها اليوم في غزة.
الرؤية الثالثة: المخطط الإسرائيلي لتقسيم سوريا
منذ عام 1996 ، وضع مفكرون أمريكيون وإسرائيليون سيناريوهات لتقسيم سوريا إلى دويلات متناحرة على أسس طائفية ، وهو مشروع يسير بوتيرة متسارعة اليوم. تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تكشف بوضوح عن رغبتهم في تفتيت سوريا ، مما سيؤدي إلى إضعاف محور المقاومة بالكامل.
الرؤية الرابعة: الأبعاد الإقليمية والدور التركي
تم التخطيط للأحداث في سوريا بتنسيق بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل ، مع دعم مجموعات متطرفة لتحقيق أهداف استراتيجية. تركيا ، وإن لم تكن الفاعل الرئيسي في إشعال الأزمة ، إلا أنها استفادت من الصراع بين الأكراد والتنظيمات المتشددة لتعزيز نفوذها الإقليمي. ورغم التحذيرات ، لا تزال أنقرة تتجاهل إمكانية امتداد المخطط الصهيوني إلى أراضيها ، كما حدث في دول عربية أخرى.
الرؤية الخامسة: شرارة الأزمة السورية 2011
بدأت الأزمة السورية بتطورات داخلية ، حيث أشعل اعتقال وتعذيب أطفال في درعا احتجاجات شعبية سرعان ما تحولت إلى حركة واسعة. تجاهل النظام السوري لمطالب الإصلاح ، وردّه العنيف ، فتح الباب أمام التدخلات الخارجية التي ساهمت في تأجيج الصراع.
الرؤية السادسة: التطبيع والقمع – أدوات السيطرة على المنطقة
تسير المنطقة العربية نحو موجة متزايدة من التطبيع ، مصحوبة بقمع الحريات لضمان السيطرة السياسية. ما يحدث في غزة وسوريا ولبنان ليس إلا جزءًا من مشروع واسع يهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية والغربية ، عبر إضعاف الدول وتفكيك مواردها الاقتصادية.
الرؤية السابعة: سوريا والقضية الفلسطينية – حقيقة المواقف
على الرغم من الخطاب السياسي الذي يدعم القضية الفلسطينية ، إلا أن سجل النظام السوري يكشف عن تناقضات كبرى:
لم تُطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل منذ عام 1974 ، وظلت جبهة الجولان الأهدأ.
ارتكب النظام السوري مجازر بحق الفلسطينيين في لبنان وسوريا، من تل الزعتر إلى مخيم اليرموك.
لعب النظام دورًا في تقسيم الصف الفلسطيني ، واعتقل العديد من قياداته.
جهاز الأمن السوري كان معروفًا بشدة قمعه للفلسطينيين والمعارضين السياسيين، تحت شعار دعم القضية.
الرؤية الثامنة: 7 أكتوبر والمخطط الأكبر
هناك من يرى أن أحداث 7 أكتوبر كانت مجرد خطوة في مخطط أوسع يستهدف سوريا ولبنان ، قبل أن يمتد إلى دول أخرى. تزامن التصعيد مع استعدادات سياسية واقتصادية إقليمية ، يشير إلى أن الهدف الأساسي هو إعادة تشكيل المنطقة وفق مصالح القوى الكبرى.
خاتمة: نحو رؤية استراتيجية جديدة
الوضع السوري ليس مجرد أزمة داخلية ، بل هو جزء من مشروع دولي لإعادة ترتيب الشرق الأوسط. ومن هنا ، فإن البحث عن حلول واقعية يتطلب تجاوز الشعارات التقليدية ، والتعامل مع الوقائع السياسية والاقتصادية بمنظور استراتيجي ، يراعي التوازنات الدولية ، ويعزز المصالح العربية بعيدًا عن التبعية والصراعات الداخلية التي تُستغل لتنفيذ أجندات خارجية.
يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الدول العربية ، قيادةً وشعوبًا ، تجاوز خلافاتها ، والتوصل إلى استراتيجية موحدة تحفظ أمنها واستقرارها؟