GreatOffer
آراء

سفينة عُمان : رحلة بين الأمواج والتاريخ في مشروع عالمي فريد

بقلم: سيلينا السعيد

Advertisement GreatOffer

في قلب المحيطات الشاسعة ، حيث يلتقي الأزرق العميق بصفحات التاريخ ، تبحر سفينة عُمان ليس فقط كمشروع بحري ، بل كتجسيد حي للعلاقة الأزلية بين الإنسان والبحر ، بين التراث والمستقبل ، وبين الهوية والتحدي. مشروع منظمة اليونيسكو لإعادة بناء هذه السفينة العُمانية لا يهدف إلى استرجاع مشهد من الماضي فحسب ، بل هو رحلة بحث في عمق الزمن عن معنى الاستمرارية الثقافية وسط عالم متغير.

البحر: مسرح الحضارات وذاكرة الشعوب

Advertisement

لطالما كان البحر مرآة تعكس تطور الحضارات ، ومسرحًا للتواصل بين الشعوب. منذ فجر التاريخ ، كانت السفن جسورًا تربط بين الثقافات ، تحمل البضائع والأفكار ، وترسم خرائط لمستقبل لم يكن معروفًا بعد. في هذا السياق ، تمثل سفينة عُمان امتدادًا لهذه الفلسفة ، حيث لم يكن البحر مجرد ممر مائي ، بل فضاءً رحبًا للمغامرة والتجارة والتفاعل الثقافي. وكما قال الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس: “لا يمكنك أن تبحر في نفس النهر مرتين ، لأن الماء يتغير دائمًا”، فإن البحر أيضًا دائم التحول ، لكنه يبقى شاهدًا على ذاكرة الأمم.

مشروع اليونيسكو: إعادة إحياء أم استشراف المستقبل؟

يهدف مشروع اليونيسكو إلى إعادة بناء سفينة عُمان بنفس التقنيات والمواد التي استخدمها البحارة العُمانيون قبل قرون. إنه ليس مجرد توثيق تاريخي ، بل محاولة لفهم كيف يمكن للتراث أن يصمد أمام رياح التغيير. لكن ، هل نحن نستعيد الماضي كما كان ، أم أننا نعيد تشكيله من منظور جديد؟

يذهب الفيلسوف الفرنسي بول ريكور إلى أن إحياء الماضي ليس مجرد استرجاع للأحداث ، بل هو إعادة تفسير للحاضر عبر الذاكرة. وهنا تكمن أهمية سفينة عُمان : فهي ليست مجرد إعادة بناء لسفينة تاريخية ، بل رمز لصمود الهوية البحرية العُمانية في عالم تسوده العولمة والتكنولوجيا.

الهوية البحرية: بين الأصالة والعولمة

في زمنٍ أصبحت فيه السفن مجرد آلات ضخمة تعمل وفق برمجيات متطورة ، تبرز مشاريع مثل سفينة عُمان كتذكير بأهمية الجذور الثقافية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه : هل يمكن لهذه المشاريع أن تعيد للبحر دوره كمصدر للهوية والانتماء؟

يرى الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر أن الإنسان لا يعيش في العالم فقط ، بل هو متجذر في بيئته وتاريخه. وفقًا لهذا المنظور ، فإن إعادة بناء سفينة عُمان ليست مجرد مبادرة تراثية ، بل هي محاولة لإحياء العلاقة بين العُماني والبحر ، ليس فقط كوسيلة اقتصادية ، بل كهوية وثقافة متوارثة تعكس روح المغامرة والاستكشاف التي ميزت البحارة العُمانيين لعصور طويلة.

الخاتمة: البحر كرمز للبقاء والتجدد

مثل السفن التي تمضي بلا يقين حول ما ينتظرها في الأفق ، فإن مشروع سفينة عُمان هو رحلة بين الماضي والمستقبل ، بين الأصالة والتجديد. وكما قال الشاعر العُماني أبو مسلم البهلاني:

“والموج يطوي صفحة من بعد صفحة… فإما إلى أمن وإما إلى خطر.”

إن هذا المشروع ليس مجرد إعادة بناء سفينة قديمة ، بل هو درس فلسفي في كيفية التمسك بالجذور دون أن نقع في فخ الجمود ، وكيفية الإبحار نحو المستقبل دون أن نفقد بوصلتنا الثقافية. سفينة عُمان ليست مجرد خشب وأشرعة ، بل قصة أمة ترفض أن تغرق في النسيان ، وتصر على الإبحار رغم كل التحديات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى