GreatOffer
آراء

زي النهاردة من 55 سنة : مجزرة بحر البقر وذكريات لا تُنسى

بقلم: السفير مدحت القاضي

Advertisement GreatOffer

في الثامن من أبريل عام 1970، وقعت مجزرة بحر البقر ، حيث شنت القوات الجوية الإسرائيلية هجوماً على مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة في قرية بحر البقر التابعة لمركز الحسينية بمحافظة الشرقية. أسفرت الغارة عن مقتل 30 طفلاً وإصابة 50 آخرين، فضلاً عن تدمير المبنى بشكل كامل.

كنت في ذلك الوقت طالباً في الصف الثالث بمدرسة كفر الشيخ الإعدادية، لم يتجاوز عمري 15 عاماً. بعد وقوع الحادث، سارعت معظم مدارس الجمهورية إلى تنظيم حملات لجمع التبرعات العينية والمادية من أجل ضحايا المجزرة، سواء من الشهداء أو المصابين.

Advertisement

وفي صباح اليوم التالي، استدعاني ناظر المدرسة إلى مكتبه، حيث وجدت أمامه مدير العلاقات العامة بمديرية التربية والتعليم. أخبرني أن تعليمات المحافظ إبراهيم بيه بغدادي تقضي بأن أكون ممثلاً لطلاب مدارس المحافظة في تقديم مساعدات لأهالي ضحايا المجزرة. كانت المساعدات تشمل شيكاً نقدياً بالإضافة إلى كميات من اللوازم الطبية، الملابس، والأغطية.

بعد أن تلقيت التعليمات، تحركنا على الفور إلى محافظة الشرقية. وصلنا إلى مكتب المحافظ الدكتور فؤاد محيي الدين، رحمه الله، الذي استقبلنا بحرارة وتوجيهات صادقة. ثم طلب منا التوجه إلى مركز الحسينية وزيارة المدرسة المتضررة في بحر البقر لتفقد الأوضاع، ثم التوجه إلى الوحدة الصحية، وبعدها العودة إلى المستشفى العام.

لم أنسَ أبداً تلك الزيارة. لقد كانت مدرسة بحر البقر محطمة تماماً، والفصول مدمرة، وكانت الدماء تزين الأرضيات والحوائط، بينما كانت بقايا الملابس تحمل آثار الدماء. شاهدنا حالات من الأطفال المصابين في الوحدة الصحية، بينما كانت الحالات الأكثر خطورة تتلقى العلاج في المستشفى العام.

عدنا بعد ذلك إلى مكتب المحافظ، الذي استقبلنا مرة أخرى بابتسامة مشبعة بالعزيمة والإرادة. كانت نظراته تفيض بالعزم على النهوض من الجراح، وكان ذلك الإصرار هو ما تحقق بالفعل بعد ثلاث سنوات من خلال انتصار القوات المسلحة في حرب أكتوبر 1973.

لقد كانت تلك الرحلة القصيرة مليئة بالتفاصيل المؤلمة، لكنها لم تفارق ذاكرتي طوال حياتي. ما زلت أحتفظ بشرف المشاركة في هذه المهمة الإنسانية وأنا في سن الخامسة عشرة، وهي تجربة تركت أثراً كبيراً في حياتي طوال السنوات التي تلت.

كلما مررت على لافتة “بحر البقر/الحسينية” على طريق بورسعيد، حيث مسقط رأس عائلتي، يعود شريط الذكريات إليّ وكأنها لم تمضِ إلا ساعات قليلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى