زوالُ إسرائيل : شاهدٌ من أَهلها
بقلم : د. صالح الفهدي
قرأتُ منذ سنوات بعيدة روايةً يهودية بعنوان “يحزقائيل” للروائي الإسرائيلي عاموس عوز ، المعروف عنه دعمه المستمر لحل الدولتين وانتقاده لسياسة الاستيطان ، وقد جاء وصف الرواية في ظهر الغلاف كالآتي : “هذه الرواية أخطر من الجيوش العربية على إسرائيل” ، وفيها تبُث بطلة الرواية مخاوفها من اللحظة التي يقتحم فيها عزيز وخليل – وهما طفلان فلسطينيان كانا رفيقاها في الطفولة – تتخيلهما وقد شبَّا الآن وهما يقتحمان الأرض المحتلة بأحزمة ناسفة ، ثم إن بطلة الرواية تترجَّى البارجة البريطانية التي أبحرت بها إلى فلسطين أن لا تغادر دونها ، بل تنتظرها حتى تعود على متنها.
مضمُون هذه الرواية يتكرَّر في رواية “القرش” لعميل الموساد السابق ميشكا بن ديفيد ، وهو أحد العملاء الذين شاركوا في محاولة اغتيال خالد مشعل -أحد قادة “حماس”- إذ تنبَّأ في روايته المذكورة التي صدرت قبل سنوات بهجوم حركة المقاومة الإسلامية على مستوطنات إسرائيلية وتصعيد إسرائيل لإيران ، وجاء في مدونة قناة الجزيرة : “قبل 7 سنوات، نَشَر ميشكا بن ديفيد رواية ، تحدَّث فيها عن هجوم لـ”حماس” على كيبوتسات إسرائيلية مُطابق لهجوم السابع من أكتوبر ، وعن تصعيد ينتهي برد إسرائيلي عنيف على إيران ، لكنه اليوم لا يفتخر بذلك ، بل يشعر بالقلق إزاء تتمة الأحداث”.
الرِّوايتان اللَّتان كُتِبَتَا بين سنوات مُتباعدة ، تُعبِّران عن قلق النفسية المحتلة التي لا يضمن لها أمنَها العتادُ العسكريُّ الهائل ، ولا الأجهزة الاستخباراتية ، ولا التقنيات المتطورة ، ولا القُبَب الذهبية أو الحديدية ، ولا الضمانات الغربية؛ لأنها تُدرك أنَّها قد تنهار في أية لحظة من اللحظات؛ لأنها استولتْ على وطن ليس بوطنها بالقهر والدم ، ولا يُمكن للدم أن يبرد ويتلاشى ، بل سيظل يلاحق المحتل الطاغي المجرم حتى ينتقم منه.
صادقت الأحداثُ كلَّ الروايات الإسرائيلية التي أفصحت عن مخاوفها من الانتقام ، ووضح لإسرائيل أنَّها دولة غير آمنة كما صوَّرت لمن صدق روايتها ، فدفعت بهم إلى المستوطنات (السرطانية) لتتمدَّد في الأرض العربية على حساب شعبها الأصلي الذي يُساعدها على إبادته العالم الرافع شعارات الحرية وحقوق الإنسان والديقراطية ، وهي كلها شعارات زائفة كشفت الأحداث الأخيرة -دون مراء- عن كذبها وتدليسها.
وهكذا هَرَع مئاتُ الآلاف من المرعوبين المكذوب عليهم هرباً من إسرائيل إلى غير عودة ، ورفض سكان مُستوطنات غلاف غزة والشمال العودة إليها خوفًا وهلعًا من تكرار السابع من أكتوبر ، ومن الرَّشَقَات المتواصلة للمقاومة الباسلة.
لقد لُقِّنوا أكاذيب وهرطقات تَحْمِلُهم على العنف ، وارتكاب كل شكل من أشكال الجرائم ، فقد جاء في سفر التثنية : “وأمَّا مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تَسْتَبق منها نسمة” ، وجاء في سفر يشوع : “وحرِّموا كلَّ ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف” ، وجاء في التلمود : “اليهودي لا يُخطئ إذا اعتدَى على عِرض غير اليهودية؛ لأنَّ كل عقد زواج عند غير اليهود باطل؛ فالمرأة غير اليهودية تُعتبر بهيمة ، والعقد لا يقوم بين البهائم” ؛ فلا نستغرب إذن حين قال أحد المتطرفين من قادتهم حين وصف أهل غزة بالحيوانات -أخزاه الله- لأنه تشرَّب هذه الأكاذيب الباطلة.
لن يقر قرار بإسرائيل يوماً في وجودها غير المشروع ، وهي تغتصب حقًّا ليس لها ، وتحتل وطنًا من أهله الأصليين ، وتبيد أرضًا ، وتقتل شعبًا أعزل ، وتدمِّر مدنًا وقرًى آمنةً ، ومهما نَسَجت حولها الأساطير والخرافات ، ومهما أحاطها أولو القوة العسكرية ، وأعانها الخونة ، فإنها ترتجف خوفًا ، وترتعد هلعًا ، لا يقر لها قرار لأنها ظالمة ، مُستبدة ، جاء في سفر أرمياء : “هوذا شعب مقبل من أرض الشمال ، وأمة عظيمة ناهضة من أقاصي الأرض ، قابضون على القوس والحربة ، قساة لا يرحمون ، صوتهم كهدير البحر ، وعلى الخيول راكبون مصطفون ، كرجل واحد للمعركة ، ضدك يا بنت صهيون!.
زَوَال إسرائيل بات وشيكًا للمؤرخ اليهودي المناهض للصهيونية ، البروفيسور إيلان بابيه ، وذلك في قوله : “هناك مؤشرات حالية تدل على أننا في بداية نهاية المشروع الصهيوني ، وإن كان من الصَّعب التنبؤ بموعد انهيار هذا المشروع وموعد انتهائه على وجه التحديد”.
الجَشَع والاستبداد والجُور الذي يقوم عليه المشروع الصهيوني ما كان أساسًا مكينًا لقيام إسرائيل آمنة ، وإنما هي قائمة على أمريْن -كما قال المفكر الإسلامي عبدالوهاب المسيري رحمه الله : الدعم الأمريكي المُطلق ، واللامبالاة من الدول العربية ، وحين تُصبح عبئاً على أمريكا -كما هي الحال اليوم- فستزول إسرائيل.
هي مسألة وقت ، بدأتْ مؤشراته القوية بعد السابع من أكتوبر ، ولن تنتهي حتى يزول هذا الكائن السَّرطَاني الخبيث من الأرض الشريفة.