GreatOffer
آراء

رياض العمر… حين يغني القلب من بيروت إلى الرباط

بقلم: د. حميد العامري

Advertisement GreatOffer

في زمنٍ تتقاذفه الهويات، وتتعالى فيه ضجيجات الانتماء، يبرز الفنان اللبناني رياض العمر كنموذج فني وإنساني متفرّد، استطاع أن يمدّ الجسر بين ضفتين: لبنان والمغرب، بصوت يقطر دفئًا، وبأغانٍ تنسج المحبة من وترٍ مشترك.

ولد رياض العمر في لبنان، أرض الأرز والقصائد، وطلّ على الناس للمرة الأولى عام 1997 من خلال ألبومه “وقليش”، حيث بدا وكأنه يختبر المسافات الأولى بين الحنين والكلمة. لكنه لم يكتفِ بمسارٍ محلي، بل اختار أن يعبر البحر، لا ليغترب، بل ليعانق وطنًا ثانيًا وجده في المغرب.

Advertisement

رياض العمر

في المغرب، لم يكن رياض مجرد فنان مقيم، بل أصبح صوتًا يسكن الذاكرة الجماعية في المحافل والمناسبات، ووجهًا حاضرًا في الإعلام والثقافة، يختار كلماته كما يختار ألحانه، مترنمًا بالحب والانتماء والوفاء. وهو القائل: “ولدتُ لبنانيًا، واخترتُ المغرب وطنًا ثانيًا برغبتي، وبقلبي.”

تغنّى بالصحراء المغربية في أغنيته “الصحرا ديالنا”، وعبّر عن محبته للعاهل المغربي الملك محمد السادس في أغنيته “يا حبيب الشعب”، وجعل من صوته منبرًا للوحدة الوطنية والتآخي العربي، مجسّدًا بذلك فلسفة الفن كجسرٍ لا كسياج، كوطنٍ لا كجنسية.

رياض العمر

وحين انفجر مرفأ بيروت ذات حزن، لم يقف صامتًا، بل غنّى للعاصمة التي علّمته كيف يكون الحزن مهيبًا، فأطلق أغنيته “بيروت بتجمعنا” من مقر السفارة اللبنانية في الرباط، ممسكًا بيديه خيطين من وجعٍ واحد: وجع الغربة، ووجع الانفجار.

رياض العمر لا يتحدث كثيرًا عن مشاريعه، فهو يفضّل أن تبوح الألحان بما في روحه، وأن تنوب الأغاني عنه في التعبير عن وجدانه. ومع ذلك، يبقى حاضرًا في المشهد الثقافي المغربي، مشاركًا في المهرجانات، متفاعلًا مع الجمهور، كأنه يقول لهم: “أنا منكم، كما أنا من لبنان.”

رياض العمر

في تجربته، تتجلى القدرة على العبور بين الثقافات دون أن يتنازل عن صوته أو جذوره. فهو يمسك بيد الطرب اللبناني، ويصافح باليد الأخرى روح المغرب: من تطوان إلى الدار البيضاء، ومن الرباط إلى أغادير، يظل صوته مشبعًا بروح المشرق ومطر الأطلس.

الفنان الذي غنّى للحب، وللوطن، وللهوية، لا يمكن اختزاله في قالب واحد. فهو ابن بيروت ورفيق الرباط، هو الحنين حين يُغنّى، والعيد حين يُبتهج، والقصيدة حين تُطرّز بماء الورد.

إن تجربة رياض العمر ليست مجرد تجربة فنية، بل هي حالة وجدانية عابرة للحدود. وربما أهم ما يُقال عنه: أنه اختار أن يكون رسول محبة بين شعبين، وفنانًا بلا خنادق، يغني للمكان… وللإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى