رسائل إلى رئيس الوحدة (7) .. راعِ مشاعر موظفيك
بقلم : د. صالح الفهدي
في أحد الاجتماعات التي ترأسها رئيس وحدة ، وحضرها وفدٌ أجنبيُّ إلى جانبِ وفدٍ من الوحدة ، وأثناء حديث أحد موظفي الوحدة باللغةِ الأجنبية أخطأ في نطقِ كلمةٍ أجنبية ، فسارع رئيس الوحدة إلى السخريةِ منه ، وعرَّضه إلى الإِحراجِ أَمام الحضور ، انتهى الاجتماع ، لكنَّ ذلك الإحراج بقي صداهُ غير المريح في نفس الموظف سنواتٍ عديدة!!
الرئيس الوازن هو الذي يحفظُ مشاعرَ مرؤوسيه ، ويُراعي كرامتهم ، ولا يؤذي أحاسيسهم ، بل يضعُ لهم اعتباراً وتقديراً أمام أنفسهم ، وأمام الآخرين ، فذلك ما يزيدُ من مستوى الثقة في أنفسهم ، ويُشعرهم بأهميتهم في الوحدة ، وقيمتهم في بيئة العمل ، فإِذا كان رئيس الوحدة بهذا الخصال انتشرت في الوحدة ثقافة التقدير بين أفرادها ، أما إذا كان رئيس الوحدة مترصِّداً ينتهزُ الفرصة حتى يسخر من موظفيه فإِن ذلك يعني نقصاً في رُشدِه ، وضعفاً في قيادته!.
في أحوالٍ أُخرى ، قد يكون أحد موظفي الوحدة قائماً على خدمةِ أحد أصحاب المصالح ، لكنَّه يتفاجأ بتدخُّلِ رئيس الوحدةِ دون سبب ليسحب منه البساط أمام صاحب المصلحة ، فيقضي هو مصلحته ليترك موظفه مُحرجاً ، ومستغرباً من موقفِ رئيسهِ الذي لم يحفظ له مقامه أمام الآخرين ، بل ويشكُّ في أنه قد ارتكبَ خطأً استحقَّ عليه تدخُّل الرئيس ليعاقبه عليه!.
إن رعاية رئيس الوحدة لمكانة موظفيه ، ومشاعرهم ، أمرٌ جوهري في تأسيس علاقة أصيلة بين الطرفين ، فإِن وقعَ خطأٌ من الموظف أصلح الرئيس خطأهُ بالنصحِ الذي يحفظ له كرامته بعيداً عن سمعِ وبصرِ الآخرين ، ذلك لأنه ما من شيءٍ أشدُّ تأثيراً على الإنسان من إقناعهِ بأنَّهُ إنسانٌ تافه!، فذلك مما يقوِّضُ ثقتهُ في نفسه ، ويدمِّرُ ما استجمعهُ من طاقةٍ وقوة لكي يطوِّرَ من ذاتهِ ، ورغم أنَّ الحكمة تقتضي أن لا يتركَ الإنسانُ نفسه مسلوبَ الإرادةِ ، مغلوباً على أمرهِ ، يشعرُ بالإنهزاميةِ لكلمةٍ ، أو لموقفٍ مُحرج ، إلا أنَّنا -ونحنُ في معرض توجيهنا لرسائل إلى رئيس الوحدة- نرى أنَّ إحراج الرئيس لموظفيهِ أمرٌ شائنٌ ، لا يعودُ عليهِ إلا بالزرايةِ والسُّخطِ والتذمُّر من قبلهم.
إن حصادَ تقدير الرئيس لموظفيه ، وحفظ كرامتهم ، ومراعاة مشاعرهم يضمنُ الآتي :
أولاً : رفع مستوى الثقة في أنفسهم ، وذلك من خلال التقدير المستمر للرئيس لهم ، والتجاوز عن الأخطاءِ غير المقصودةِ الصادرةِ منهم.
ثانياً : يصبحُ الرئيس قدوةً مُلهمةً لموظفيه ، يرون فيه القائد الذي يدفعهم إلى تطوير قدراتهم ، وتعزيز مهاراتهم.
ثالثاً : تكونُ بيئة العمل جاذبةً ، مشجِّعةً لأفرادها ، لأنها بيئة تقومُ على الإصلاح بالتي هي أحسن أُسلوباً ولغةً وسلوكاً.
كلُّ ذلك يصبُّ في صالح تجويدِ وتحسين الأداء داخل الوحدة ، لأنَّ الرئيس وهو مصدر الثقافة التنظيمية قد كان قدوةً محفِّزةً ، ومقدِّرةً لموظفيه ، لا يحاسبهم على هِنَّةٍ ، ولا يحرجهم على كلمةٍ خاطئةٍ ، بل يكونُ لهم رافداً لتقويةِ عزائمهم ، وتصحيحِ مساراتهم ، فإِن وجدَ في أحدٍ ضعفاً قوَّاهُ بتدريبٍ ما ، وإن وجدَ في أحدٍ نقصَ معرفةٍ نمَّاهُ بتعليمٍ ما ، وهكذا تصبحُ معالجة المشكلات في حدِّ ذاتها تحفيزاً وترقيةً وتقديراً لا إحباطاً وتسفيهاً وتحقيراً.