“دوائر القدر وخطوط المنطق : من ينتصر؟”
بقلم : سيلينا السعيد
في ليلة مظلمة ، وسط غابة صامتة تتلاعب فيها الظلال ، تسير سيارة تشق طريقها بصعوبة تحت وميض مصابيحها الخافتة. يجلس بداخلها رفيقان لا يفترقان : المنطق والقدر. كانا يجلسان معًا ، ولكن بينهما بحر من التناقضات. السيارة تسير ، والليل يحتضن أسراره. فجأة ، يتوقف الصوت. “لقد نفد البنزين”، يصرخ المنطق مذعورًا.
الغابة كرمز للحياة والمصير
في هذا المشهد الرمزي ، تمثل الغابة أسرار الحياة وغموض المصير. كان المنطق في حيرة ، كيف لم يخطط لهذا التوقف المفاجئ؟ كيف لم يفكر في الاحتياط؟ بينما اكتفى القدر بابتسامة لا مبالية ، وكأن كل شيء يسير وفقًا لخطة لا يعلمها إلا هو. كان التناقض بينهما واضحًا : المنطق يمثل التخطيط ، التحليل ، والتوقع؛ بينما القدر يرمز إلى المجهول ، العشوائية ، والاستسلام.
الغابة هنا ليست مجرد مكان ، بل هي تجسيد للعوائق التي تواجه الإنسان في حياته. تمثل الظلال الكثيفة العقبات التي قد تُعمي البصيرة ، بينما يعكس وميض المصابيح الخافتة بصيص الأمل الذي يتلاشى تدريجيًا. هذا السياق الرمزي يجعل الغابة مسرحًا للصراع الأزلي بين العقل والمجهول.
حوار العقل والمجهول : المنطق في مواجهة القدر
لم يحتمل المنطق صمت القدر ، فتفجرت بداخله مشاعر الغضب. “كم لوّعت من قلوب؟ كم أدمعت من عيون؟” صرخ في وجهه ، مطالبًا بإجابات تبرر كل ما يحدث. لكنه لم يكن يدرك أن القدر لا يُجيب بالطريقة التي ينتظرها.
أجابه القدر بهدوء يحمل في طياته الحكمة: “الكون كله يدور في دوائر. معزوفة لا تتوقف عن الدوران. فلماذا تلومني؟” هذه الكلمات أثارت المنطق وزادته غضبًا. أراد إجابة واضحة ، خريطة طريق تحدد له مصيره. ولكن القدر ظل ثابتًا ، يرفض الدخول في صراع مباشر ، مفضلاً أن يترك الإجابات للزمن.
ازدادت حدة النقاش ، وتحولت إلى مواجهة مباشرة. المنطق ، بغضبه المتقد ، أراد أن يطرد القدر من حياته ، بينما القدر اكتفى بالهدوء والتأمل في سماء الليل. كانت كلمات القدر تثير التساؤلات : هل يمكن للعقل أن يعمل بمعزل عن المصير؟ أم أن كلاهما جزء لا يتجزأ من الرحلة؟
النهاية المفاجئة: حين يتقاطع القدر مع العقل
قرر المنطق النزول من السيارة ، متجهًا نحو شجرة عملاقة تتراقص حولها العصافير في دوائر. كانت الشجرة رمزًا للحياة المستمرة ، التي تدور في حلقات لا تنتهي. أما القدر ، فقد تمدد في وسط الطريق ، متناجيًا مع النجوم ، مستمعًا إلى أغنية لا يسمعها أحد سواه.
فجأة ، ظهرت سيارة مسرعة. انحرفت لتتفادى القدر ، لكنها اصطدمت بالمنطق النائم تحت الشجرة. كان المشهد مأساويًا ولكنه مليء بالرمزية. المنطق ، رغم كل حساباته وتخطيطاته ، لم يستطع الهروب من النهاية التي رسمها القدر.
وقف القدر بعد الحادث ، ينظر إلى المشهد بأسى. “نصيبك… نصيبك…”، قال بأسف وهو يلتقط نعليه ويسير نحو الغابة. لم يكن المشهد مجرد حادث عابر ، بل درس يحمل في طياته أعمق المعاني.
تأملات ختامية
تظل هذه القصة الرمزية تثير تساؤلات عميقة: هل نحن حقًا أسياد قراراتنا أم أن القدر يسيرنا؟ كيف يمكن للعقل والمجهول أن يتعايشا؟ الحياة ، كما يعلمنا القدر ، ليست خطًا مستقيمًا بل دوائر تدور وتجمع بين المنطق والمصير.
قد يكون المنطق هو الأداة التي نسير بها حياتنا ، لكن القدر هو الطريق الذي نمشي عليه. كلما حاولنا التحكم في كل شيء ، تظهر أحداث لا يمكن تفسيرها إلا بوجود قوة أكبر.
نصيحة أخيرة
في صراعك مع الحياة ، حاول أن تجد التوازن بين المنطق والقدر. لا تستسلم كليًا ، ولا تحاول السيطرة على كل شيء. ففي النهاية ، الحياة ليست سوى رقصة متناغمة بين الاثنين. وبينما نبحث عن إجابات ، قد يكون السر في تقبل ما لا يمكن تغييره ، والعمل بما هو في متناول اليد.
سيلينا السعيد – لبنان