خطة ترامب المسمومة وتواطؤ بعض الأنظمة العربية!

بقلم : عزان الجبلي
خطة “السلام” التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالشراكة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثارت جدلاً واسعًا واستقطابًا حادًا على المستويين الإقليمي والدولي.
ولا يخفى على أحد أن جوهر هذه الخطة يخدم المصالح الإسرائيلية، بينما يقتصر الدور الأمريكي على دورٍ تعديلي وداعم لهذه الرؤية. نرى فيها ضياع الحق الفلسطيني ونكبة جديدة؛ فالموافقة عليها تُعد تخليًا عن الحقوق الفلسطينية وإذلالًا للأمة العربية والإسلامية، لا سيما بعد التضحيات التي قدَّمتها مقاومتها. أما مطلب نزع السلاح فهو إذعان تام؛ فالخطة تهدف إلى نزع سلاح فصائل المقاومة في قطاع غزة، وتفرض شروطًا قاسية على الفلسطينيين، وتشتمل على تهديدٍ بمواصلة العمليات العسكرية بدعم أمريكي في حال الرفض.
ونشمُّ بوضوح رائحة التواطؤ العربي إذا ما مُرِّرت هذه الخطة. فمبادرةٌ كهذه تستند إلى مشاوراتٍ تضمنت أطرافًا من السعودية وقطر والإمارات والأردن بمشاركة مصر وباكستان وتركيا وماليزيا، الذين اجتمعوا مؤخرًا مع ترامب. والأهم من ذلك أن الخطة أعلنت صراحة تهديدها لحماس في حال الرفض بالسماح لإسرائيل “بإكمال مهمتها” بدعمٍ أمريكي كامل. والسؤال المحوري: هل ستقبل فصائل المقاومة في غزة بشروط الإذعان أم أن لله وللمقاومة رأيًا آخر؟ فليس مع المقاومة إلا الله وبعض الشرفاء في هذا الكون، بينما تسود لدى الدول العظمى منطق “شريعة الغاب”.
تتجاهل الخطة كذلك التعاطف العالمي الواسع مع القضية الفلسطينية والإدانة الدولية المتزايدة للجرائم الإسرائيلية التي باتت واضحة أمام العالم. العقلاء يرون أن القوة تُجاب بالقوة، وأن رفض سياسة “الانبطاح والشجب” واجب؛ فالقوة لا تُكسر إلا بقوةٍ مثلها.
وتشير تفاصيل الخطة إلى تفكيك حركة حماس والفصائل الفلسطينية، ودعوة لنزع الطابع العسكري عن قطاع غزة مع احتفاظ إسرائيل بـ”المسؤولية عن الأمن”. كما تقترح إدارةً انتقالية تضم تكنوقراط وخبراءًا لإدارة غزة تحت إشراف هيئة دولية تُسمى “مجلس السلام” (وذاع اسم توني بلير كأحد قادتها). وصرح نتنياهو صراحةً بأن إسرائيل “ستنهي المهمة بنفسها” بدعم أمريكي كامل حال رفضت حماس الخطة.
غير أن هناك من رفضوا الخطة بشدة؛ فحركة الجهاد الإسلامي أعلنت رفضها القاطع، ووصف مسؤولون فلسطينيون في غزة هذه المبادرة بأنها “محاولة لفرض وصاية جديدة تُشرعن الاحتلال”. الخطة تضع فصائل المقاومة أمام قرارٍ مصيري: القبول بشروط تُوصف بأنها إذعان، أم مواجهة استمرار التصعيد العسكري.
في المحصلة، المسألة ليست مجرد تنازع سياسي على السلطة، بل صراع وجودٍ وحقوق. كيف نتعامل مع خطط تُفرض من قوى كبرى قد لا تلبّي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية الأساسية؟ ويستمر الشعور بالمرارة أمام ما يُرى كخزي وعار أمام ملياري مسلم عاجز يترقبون ما يحدث في مواجهة ما يصفه البعض بأكبر مآسٍ في العصر الحديث.
نقول لترامب ونتنياهو إن لكل إنسان الحق في مكان تحت هذه الشمس، وأنه لا يجوز التمييز بين البشر على أساس الدين أو العرق أو اللون؛ “نحن جميعًا بشر”. وفي الوقت ذاته، نُذكَّر بأن التاريخ لا يرحم متغطرسي القوة وأن مصائر الإمبراطوريات رهينة زمانها ومآلات سياساتها.
