آراء

حين تتحوّل أوطاننا إلى ساحات للغير : صراع النفوذ بين فرنسا وإيطاليا في إفريقيا

بقلم: د. ليلى الهمامي

Advertisement

تشهد الساحة الإفريقية اليوم صراعًا محتدمًا بين إيطاليا – في نسختها الفاشية الجديدة – وفرنسا، المستعمر القديم الذي لم يتخلَ عن أوهام الهيمنة. صراع يعيد توزيع مناطق النفوذ ويجعل من دولنا ميادين مفتوحة لمعارك الآخرين، بسبب أخطاء أنظمتنا التي لم تستطع، أو لم ترد، أن تصون سيادة شعوبها أو تحمي مصالحها.

ما يثير الألم في نفسي أن عناصر القوة، بكل أبعادها الاستراتيجية والاقتصادية والبشرية، متوفرة في إفريقيا والعالم العربي. ومع ذلك، لا يزال كثير من حكامنا أسرى عقلية التبعية، يتلمسون رضا القوى الاستعمارية السابقة، رغم أن هذه القوى نفسها تتراجع وتنهار داخليًا. إن بمقدورنا، لو أردنا، أن ننهض ونرسم مصيرنا بأيدينا، من دون خضوع أو مساومة على السيادة الوطنية.

Advertisement

إن المرحلة تفرض علينا – أكثر من أي وقت مضى – الحاجة إلى ولادة حركة عربية-إفريقية جديدة، تنبثق من رحم الشعوب، وتوحّد نضالاتها من أجل بناء سياسات مشتركة تُعيد التوازن إلى منظومة التبادل التجاري، والسياسات الاستثمارية والنقدية بين القارة والعالم الغربي. ذلك هو المسار الوحيد لبناء قطب بديل، حر ومستقل، يفرض كلمته في عالم يتغير.

ولا أقول ذلك مجازفة. بل أجدني على وفاق مع المفكر جاك آتالي حين قال إن القرن الحادي والعشرين لن يكون قرن الصين، بل سيكون “قرن إفريقيا” بامتياز.

لكن هذا الأفق لا يتحقق بالشعارات، بل بإيمان عميق بقدرتنا على خلق قوة اقتصادية متكاملة، قادرة على التأثير في بنية النظام الدولي، وفرض رؤيتنا للعدالة الاجتماعية باعتبارها شرطًا للتقدم لا ترفًا نظريًا.

لقد شعرت بحزن عميق، وأنا التي لطالما احترمت نيلسون مانديلا كرمز نضالي فذ، أمام مشاهد البؤس المستمر الذي تعانيه الأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا، في مقابل استمرار احتكار البيض للثروات والسلطة الاقتصادية. بدا لي كأن سقوط نظام الفصل العنصري لم يكن سوى تبادل أدوار على مسرح قديم، حيث خرج فريديريك دي كليرك من الحكم فقط لضمان بقاء مصالح البيض راسخة فوق الأرض وتحتها، فيما اكتفى السود بحق التصويت، لا بحق القرار، في سياسات تصنعها مكاتب المال الغربية ووكلاؤها المحليون.

أتردد، لكنني أقولها: مانديلا، الذي أحبه وأحترمه، لم يكن البديل الثوري الذي مثّله باتريس لومومبا أو المهدي بن بركة.

جراحنا غائرة، نعم، لكنّ أمواج الأمل فينا لا تنكسر.

صراع
د. ليلى الهمامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى