آراء

حكمة السياسة القطرية

بقلم : د. صالح الفهدي

Advertisement

الضغوطات الهائلة التي تحملتها السياسة القطرية أثناء الوساطة لإنهاء الحرب العشواء على غزة، والنتائج التي توصلت إليها المفاوضات بعد ما يقرب من العام والنصف من حرب الإبادة، والمجازر الدموية التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي على غزة، وما نتج عنه من قتل ما يقارب الخمسين ألف مواطن فلسطيني من سكانها أغلبهم من النساء والأطفال، وتدمير هائل للمنازل، والمجمعات السكنية، والبنى التحتية، ما جعلها أبشع صورة للحرب العشوائية مورست ضد شعب أعزل في التاريخ، كل ذلك برهن على حكمة السياسة القطرية الهادئة التي ترتكز على الواقعية، والصبر، والعقلانية المترفعة عن الاستفزازات، ودلل على أنها سياسة ذات نفس طويل، أدت في نهاية المطاف إلى نتائج متوخاة، رغم ما اكتنف طريقها من التحديات، والصعوبات، والتعقيدات، والعنت المتواصل من أطراف بعينها!.

في أصعب ظروف المفاوضات كان رئيس الوزراء وزير الخارجية أو المتحدث باسم وزارة الخارجية يخرج بهدوئه المتزن ليجيب عن أسئلة الصحفيين بلباقة، وحنكة، وسعة، لكي تتواصل المفاوضات في أجواء يسودها التفاؤل.

Advertisement

السياسة

ولو أن السياسة القطرية قد ركنت للاستفزازات والضغوطات لتوقفت المفاوضات، بيد أنها كانت تستشعر بحجم المسؤولية والأمانة التي وضعتها هي نفسها على كاهلها، حيث إنها تعلم أن كل يوم تتوقف فيه المفاوضات تباد فيه مئات الأرواح البريئة، لهذا واصلت السياسة القطرية إدارة المفاوضات ليلا ونهارا بحكمة بالغة، وحنكة بعيدة الغايات، لتصل في نهاية المطاف إلى اتفاقية لإنهاء الحرب على غزة وفق مراحل محددة، مليئة بالتفاصيل الدقيقة.

هذه المشهدية السياسية الحكيمة أظهر قطر كدولة لها قدرات مكينة في إدارة الأزمات، والنزاعات، وإنهاء الحروب وذلك بفضل الخبرات المتراكمة للمفاوض القطري الذي امتلك بفضلها مجموعة من المهارات لإدارة التفاوض بما في ذلك معرفة شخصية الآخر بصورة عميقة في مختلف الجوانب، والقدرة على التعامل معه؛ الأمر الذي يعني امتلاك المفاوض القطري للذكاء العاطفي إلى جانب الذكاء السياسي.

ولا شك بأن حكمة السياسة القطرية تكمن وراءها طبيعة الإنسان القطري المتحلي بالهدوء، والاتزان، والانضباط ليستطيع بفضل القيم التي تتسم بها شخصيته من إدارة الملفات السياسية بجلد طويل، وصدر رحيب، وعقلية تتبصر الغايات، من أجل ترسم التوجهات الرشيدة التي تتوخاها.

لقد أثبتت هذه السياسة الحكيمة نجاحها في إدارة الأزمات المعقدة التي يفترض أن تدار بواقعية تقيس موازين القوى بدقة، آخذة في اعتبارها القدرات التي يمتلكها كل طرف، وهذا ما اتسمت به السياسة القطرية لتبرز كواحدة من أقوى وأمهر السياسات المتمكنة من إدارة الوساطة وحل المعضلات، وإنهاء النزاعات والحروب وذلك ما يحسب للقيادة القطرية الرشيدة، والفريق السياسي لدولة قطر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى