حرية الرأى فى الإسلام
بقلم : السفير أشرف عقل
أقرت الحريات كمبدأ من السماء مع نزول الإسلام ؛ ليرتفع بها أهل الأرض ، وترتقى بها الإنسانية ، ولم تكن يوما وليدة تطور فى المجتمع ، أو نتيجة ثورة طالب بها المحرومون منها ، كما هو الحال عند كثير من الأمم المعاصرة . ومن هذه الحريات : حرية العقيدة ، حرية التفكير ، حرية الرأى ، حرية النفس ، وحرية التملك .
حرية الرأى :
تعنى حرية الرأى حق الفرد فى اختيار الرأى الذى يراه فى أمر من الأمور العامة أو الخاصة ، وإبداء هذا الرأى وإسماعه للآخرين ، وهى حق الشخص فى التعبير عن أفكاره ومشاعره باختياره وارادته ؛ مالم يكن فى ذلك اعتداء على حق الآخرين.
وحرية الرأى بهذا المعنى حق مكفول للمسلم وثابت له ، لأن الشريعة الإسلامية أقرته له ، وما أقره الشرع الإسلامى للفرد لا يملك أحد نقضه أو سلبه منه أو انكاره عليه ، بل إن حرية الرأى واجب على المسلم لا يجوز أن يتخلى عنه ؛ لأن الله تعالى أوجب عليه النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يمكن القيام بهذه الواجبات الشرعية ما لم يتمتع المسلم بحق إبداء الرأى وحريته فيه ، فكانت حرية الرأى له وسيلة إلى القيام بهذه الواجبات ، وما يتأتى الواجب إلا به فهو واجب.
وقد أجاز الإسلام حرية الرأى فى كافة الأمور الدنيوية ؛ مثل الأمور العامة والاجتماعية ، وفى مثال يجسد ذلك ، ما ظهر من سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، رضى الله عنهما ، حين استشارهما الرسول الكريم صل الله عليه وسلم ، فى مهادنة غطفان على ثلث ثمار المدينة حتى يخرجوا من التحالف يوم غزوة الأحزاب.
ومن النصوص التى وردت فى النصيحة وفى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قول المولى عز وجل “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ” . وقول الرسول الكريم “الدين النصيحة ” . قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : ” لله ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم”. قال الإمام النووى فى شرحه لهذا الحديث : “وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق ، وطاعتهم فيه ، وأمرهم به ، ونهيهم عن مخالفته ، وتذكيرهم برفق ، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين”.
كما قال الرسول صل الله عليه وسلم : “لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه” . وقال أيضا : “أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر”. وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستلزم تمتعهم بحرية الرأى ؛ وحيث قد أمرهم الله بهذا الواجب ، فهذا يعنى منحهم حق إبداء رأيهم فيما يرونه معروفا أو منكرا ، وفيما يأمرون به وينهون عنه ، وكذلك واجب المشاورة على ولى الأمر يستلزم تمتع من يشاورهم بحرية إبداء رأيهم.
وقد طبقت حرية الرأى على طول التاريخ الإسلامى تطبيقا رائعا ، فهذا الصحابى الجليل الحباب بن المنذر يبدى رأيه الشخصى فى موقف المسلمين فى غزوة بدر على غير ما كان قد رآه النبى ، فيأخذ النبى صل الله عليه وسلم برأيه ، كما أبدى بعض الصحابة رأيهم فى حادثة الإفك ، وكان منهم من أشار على النبى بتطليق زوجته السيدة عائشة رضى الله عنها ، إلا أن القرأن الكريم برأها ، وغير ذلك من المواقف الكثيرة التى كان الصحابة ومن جاءوا بعدهم يبدون فيها آراءهم.
وإذا كانت حرية الرأى والتعبير عنه وإبداؤه من الحقوق المقررة فى الشريعة الإسلامية ، فلا يجوز إيذاء الشخص لقيامه بإبداء رأيه ، لأن الشرع أذن له بذلك ، وقد ردت إمرأة على سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وهو يخطب فى المسجد فى مسألة المهور ، فلم يمنعها ، بل اعترف بأن الصواب معها ، وقال قولته الشهيرة : “أصابت امرأة وأخطأ عمر”.
ومما ينبغى للمسلم وهو يستعمل حقه فى إبداء رأيه ما يلى :
أن يتوخى الأمانة والصدق ، فيقول ما يراه حقا ، وإن كان هذا الحق أمرا صعبا عليه ، لأن الغرض من حرية الرأى إظهار الحق والصواب وافادة السامع به ، وليس الغرض منه التمويه واخفاء الحقيقة.
أن يقصد بإعلام رأيه إرادة الخير والحق ليس إلا.
أن لا يبغى برأيه ولا بإعلانه الرياء أو السمعة ، أو التشويش على المحق ، أو إلباس الحق بالباطل ، أو بخس الناس حقوقهم ، أو تكبير سيئات ولاة الأمور ، وتصغير حسناتهم ، وتحقير شأنهم ، والتشهير بهم ، وإثارة الناس عليهم ، للوصول إلى مغنم.
وبناء على ما سبق ، تكون حرية الرأى كما أقرتها الشريعة الاسلامية ، وهى بذلك وسيلة مهمة من وسائل التقدم الحضارى ، كما أنها وسيلة للتعبير عن الذات أيضا.