آراء

​تطورات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين عُمان والهند

بقلم : د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي

Advertisement

اُثيرَ الكثير حول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند في الآونة الأخيرة، مُنذ أن بدأ الحديث حولها قبل عامين، وقد اختُتمَت المفاوضات الرسمية- التي بدأت في نوفمبر 2023- بشأن هذه الاتفاقية بين البلدين في أغسطس الماضي، والجانب الهندي يتوقع أن تُحدث هذه الاتفاقية تحولًا كبيرًا في المشهد الاقتصادي الثنائي بين البلدين، بمجرد التوقيع عليها، ودخولها حيز التنفيذ، فيما يرى بعض العُمانيين أن ما يُثار حول بند حماية العمالة الهندية على حساب العمالة الوطنية يحتاج إلى إعادة نظر، بحيث لا تبقى السيطرة الكاملة لأصحاب الشركات الأجنبية في تشغيل مصالح العمالة الوطنية.

واليوم نعلم أن الهند لها وجهة نظر في بند العمالة العُمانية في الشركات؛ وهي سياسة “التعمين” التي تتبعها الحكومة في تشغيل المواطنين، فهل سوف نستفيد من هذه الاتفاقية مستقبلًا؟ سؤال يُطرح من قبل كثير من المهتمين والمتابعين والمحللين في سلطنة عُمان بشأن هذا البند. ويسألون كذلك: ما إيجابيات وسلبيات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة حال اعتمادها من الجانبين خلال الفترة المقبلة؟

Advertisement

وقبل الإجابة على ذلك، نقول إن الاتفاقية قد تكون مفيدة لكلا الطرفين، إذا جرى التعامل معها بحذر، وأُدخل مزيد من البنود التي تحمي المصالح العُمانية وتُراعي القضايا المتعلقة بالتوظيف؛ فهذه الاتفاقية بين عُمان والهند تُعد خطوة استراتيجية لتعميق العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين والتي تعود لقرون مضت بحكم موقع البلدين والقرب الجغرافي بينهما. وتهدف الاتفاقية في الأساس إلى إزالة الحواجز التجارية، وزيادة التدفقات التجارية والاستثمارية المباشرة بين البلدين، وتعزيز عمق الأسواق بينهما؛ سواء فيما يتعلق بموضوع السلع والمنتجات، أو وصول العمالة الهندية إلى عُمان. وهناك العديد من البنود والمحاور التي يمكن تحقيقها بين البلدين تتعلق بموضوع تعزيز التجارة ووضع التعريفات الجمركية للسلع، إضافة إلى حماية العمالة الهندية، وتعزيز العمل بحركة المواصلات البحرية واللوجستيات بين الموانئ الهندية والعُمانية والموانئ العالمية، وتعزيز فرص الاستثمار بين البلدين.

الهند ترى أنه من خلال السوق العُمانية يمكن تعزيز القدرة التنافسية للسلع الهندية في السوق العُماني وفي الأسواق المحيطة بالسلطنة، فيما يمكن لها تأمين احتياجاتها من الطاقة عبر خفض تعريفات النفط الخام، كما إنها ترى إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات الهندية بنسبة 5% يساعد على وصول المزيد من السلع الهندية إلى عُمان. وفي الوقت نفسه تُرحِّب بزيادة الصادرات العُمانية إلى الأسواق الهندية الكبيرة التي تتمتع بكثافة سكانية عالية. أما فيما يتعلق ببند العمالة الهندية في عُمان، فإن الهند تأمل توفير حماية ضد التحولات السائدة في عُمان، وخاصة فيما يتعلق ببرنامج “التعمين” الذي يهدف إلى إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة؛ الأمر الذي سوف يدفع الشركات الأجنبية العاملة في سلطنة عُمان إلى ضرورة التعامل بالمثل في هذا الموضوع المُهم. ومن هنا يطالب الهنود بإدراج بندٍ لحماية الموظفين الهنود في القطاع الخاص العُماني.

وفي مجال الشحن البحري، ترى الهند توفير طرق شحن أقصر وأقل ازدحامًا بين الهند وعُمان للوصول إلى أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، وتنويع مسارات التجارة. وربما يحمل هذا البند سياسة الهند في إيجاد طريق بحري قد يمتد إلى أوروبا وأمريكا.

وعليه.. فإن الهند ترى أن الاتفاقية ستُعزِّز مكانة عُمان كبوابة لوجستية استراتيجية للهند نحو الأسواق الإقليمية والدولية؛ مما يحوّل الموانئ العُمانية الى محاور لوجستية متكاملة تجذب الاستثمارات الصناعية، اضافة إلى ذلك فإنها ستعزز العمل باستخدام الموانئ العُمانية الأخرى مثل ميناء الدقم كمراكز لوجستية وإعادة تصدير لمنتجاتها إلى القارات الأخرى عبر سلطنة عُمان، بجانب الاستثمار في قطاعات التكنولوجيا والسياحة والهيدروجين الأخضر والأدوية والتعدين وغيره. ومن هنا تتوقع الهند بأن تؤدي الاتفاقية الى زيادة كبيرة في حجم التبادل التجاري بين البلدين، خاصة وأن الهند تعتبر رابع أكبر مصدّر لسلطنة عُمان، وثاني دولة في استيراد النفط العُماني.

إيجابيات هذه الاتفاقية تكمن في تعزيز وزيادة حجم التجارة بين البلدين؛ مما يعود بالنفع على الاقتصادين العُماني والهندي، بجانب توسيع وفتح الأسواق جديدة للمنتجات العُمانية والهندية، مما يزيد من تنوع السلع المتاحة، وأخيرًا في تعزيز الاستثمارات المشتركة؛ حيث ستعمل الاتفاقية على جذب الاستثمارات الهندية إلى عُمان، مما يساهم في تطوير مشاريع جديدة، وخلق فرص عمل جديدة في كلا البلدين.

أما الجانب السلبي لهذه الاتفاقية، فيتمثل في أنها ستزيد من تنافسية السوق مما قد يؤثر سلبًا على بعض الصناعات المحلية في عُمان، علاوة على مخاطر من السيطرة الهندية على المؤسسات العُمانية بشكل أكبر نظرًا لحجمها الاقتصادي الكبير، مما قد يجعل عُمان في موقف أضعف، والأمر الأخير يتعلق بالعمالة العُمانية، إذ ربما تواجه المؤسسات تحديات في تطبيق سياسة التعمين؛ حيث تُفضِّل الشركات الهندية استقدام عمالة غير عُمانية في الكثير من المشاريع.

ومن هذا المنطلق، من المهم التدقيق في بنود الاتفاقية التي تحتاج إلى تقييم دقيق من الجهات المعنية والتركيز على كيفية تحقيق المصالح الوطنية والنظر إليها بعين الاعتبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى