ترحيل سكان غزة: لماذا تعتبر الخطة غير قابلة للتطبيق؟

بقلم: مريم سليم
تواجه خطة الإدارة الأمريكية السابقة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، لترحيل سكان غزة إلى دول أخرى مجموعة معقدة من التحديات القانونية، السياسية، الاقتصادية والعملية، مما يجعل من تنفيذها أمرًا شبه مستحيل. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة قد تجد دعمًا من بعض الأطراف الإسرائيلية المتطرفة، فإن الواقع يثبت أن تنفيذها محفوف بالعواقب التي تجعلها غير قابلة للتطبيق على الأرض.
- 1. العوائق القانونية لتنفيذ خطة ترحيل سكان غزة
تعد الخطة انتهاكًا واضحًا لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر نقل السكان قسرًا من الأراضي المحتلة. يشكل هذا الحظر قاعدة أساسية في القانون الدولي الإنساني، ويهدف إلى منع تهجير السكان تحت الاحتلال. إذا تم تنفيذ الخطة، فإنها قد تعرض إسرائيل لمطالبات قانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية، مما قد يؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية وفرض عقوبات قانونية ودبلوماسية عليها.
إضافة إلى ذلك، تشير القرارات الأممية، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى حق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم، مما يجعل أي محاولة لترحيلهم انتهاكًا مباشرًا لهذه القرارات، ويزيد من تماسك المواقف المعارضة لهذه الخطة على المستوى الدولي.
- 2. التحديات الاقتصادية أمام خطة ترحيل سكان غزة
من سيكون المسؤول عن تمويل خطة ترحيل مئات الآلاف، أو حتى الملايين، من سكان غزة؟ في الوقت الذي رفضت فيه الإدارة الأمريكية تمويل هذه الخطة، فإن إسرائيل نفسها تعاني من وضع اقتصادي هشّ جراء تصاعد الإنفاق العسكري والتوترات الأمنية، ما يجعلها غير قادرة على تحمل تكاليف هذا المخطط.
أما الدول العربية، فهي ترفض استيعاب الفلسطينيين المُرحّلين، معتبرة أن ذلك سيسهم في تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي. حتى الدول الغربية، التي تدعم إسرائيل سياسيًا، ليست مستعدة لتحمل تداعيات أزمة إنسانية ضخمة كالتي قد تنجم عن ترحيل سكان غزة، مما يضع التمويل كعائق رئيسي أمام تنفيذ هذه الخطة.
- 3. العوائق الأمنية والسياسية لتنفيذ خطة ترحيل سكان غزة
من الناحية العملية، تطرح خطة ترحيل سكان غزة تحديات هائلة. كيف يمكن تنفيذ عملية ترحيل بهذا الحجم دون إشراف دولي؟ وهل ستتولى إسرائيل نفسها تنظيم هذه العملية؟ إن أي محاولة لتنفيذ هذه الخطة بالقوة ستؤدي إلى مقاومة شرسة، سواء من الفصائل المسلحة أو حتى من المدنيين الفلسطينيين الذين لن يقبلوا مغادرة أرضهم.
لا يقتصر الأمر على ذلك فقط؛ إذ من المرجح أن يبقى عدد كبير من المسلحين والفصائل الفلسطينية في غزة، مما يعني أن إسرائيل ستكون مجبرة على شن حرب شاملة داخل القطاع لتنفيذ الخطة، وهو ما سيكلفها موارد بشرية ومادية هائلة.
- 4. المخاطر السياسية والدبلوماسية للخطة
على الصعيد السياسي، تتعارض هذه الخطة مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي، ما يجعلها مرفوضة من معظم الدول العربية والغربية. أي محاولة إسرائيلية للمضي قدمًا في هذا المشروع ستزيد من التصعيد الإقليمي وتضعف العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل في السنوات الأخيرة.
كما أن هذه الخطوة ستؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية لإسرائيل، في ظل تزايد الانتقادات بسبب سياساتها الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس. حتى الحلفاء التقليديين لإسرائيل في أوروبا والولايات المتحدة بدأوا في إدراك أن هذه الخطة لا تخدم الاستقرار الإقليمي، بل تعمّق الأزمات وتغذي التوترات.
- 5. انعكاسات الخطة على إسرائيل نفسها
إذا تم قبول فكرة ترحيل السكان كحل لأزمات معينة، فماذا سيمنع المجتمع الدولي من المطالبة بمثل هذا الإجراء تجاه اليهود في إسرائيل؟ هذا المنطق قد يرتد ضد إسرائيل في المستقبل، خاصة في ظل تصاعد النزعات القومية المتطرفة التي قد تستخدم ذات الحجة لفرض ترحيل اليهود من الأراضي المحتلة عام 1948.
علاوة على ذلك، سيؤدي الترحيل القسري للفلسطينيين إلى تعزيز حركة المقاطعة العالمية ضد إسرائيل، وزيادة الضغط على الشركات والمؤسسات الدولية لقطع علاقاتها مع تل أبيب، مما سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد الإسرائيلي على المدى البعيد.
- 6. الخلاصة
إن خطة ترحيل سكان غزة ليست مجرد خرق للقانون الدولي، بل هي أيضًا خطة غير قابلة للتطبيق عمليًا. معارضة المجتمع الدولي والعالم العربي، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية والأمنية، تجعل من تنفيذ هذه الخطة أمرًا مستحيلًا. بدلاً من اللجوء إلى التهجير، ينبغي على إسرائيل والولايات المتحدة العمل من أجل حل عادل وشامل يحترم حقوق الشعب الفلسطيني ويضمن له العيش بحرية وكرامة في وطنه.