تحليل: واشنطن وخطأ الحسابات الكبرى… حين كسرت طهران حاجز الخوف

بقلم : سمير باكير
في خضم التصعيد المستمر بين الولايات المتحدة وإيران، تتكشف ملامح الخطأ الاستراتيجي الأكبر الذي ارتكبته واشنطن، خاصة خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، والذي أسهم في إعادة تشكيل موازين الردع والخوف في المنطقة.
تصريحات المدير السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) تفتح نافذة على عمق هذا الخطأ، إذ أشار إلى أن الإدارة الأمريكية السابقة لم تُدرك تمامًا عواقب قراراتها، لاسيما تلك التي قوّضت الاتفاق النووي وأضعفت من فاعلية المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لقد سعت واشنطن إلى مكاسب تكتيكية ضيقة، كتشديد الخناق الاقتصادي على طهران أو عزلها دبلوماسيًا، غير أن هذه الإجراءات أنتجت نتائج معاكسة على المستوى الاستراتيجي. أبرز تلك النتائج تمثّل في تحرر إيران من عقدة الخوف من المواجهة العسكرية، إذ باتت تتحرك وفق حسابات مدروسة، لا وفق انفعالات وردود أفعال دفاعية.
المدير السابق لـNSA وصف هذا التحول بأنه “أكبر خطأ ارتكبه ترامب”، حيث تجاوزت إيران الخط الأحمر النفسي، واتخذت مؤخرًا قرارًا حاسمًا بتعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في دلالة صريحة على استقلالية قرارها التصعيدي.
من جهتها، صرحَت ،تولسي غابارد، التي شغلت موقعًا استخباراتيًا مهمًا في الإدارة السابقة، بأن لا دلائل موثقة تثبت سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، في إشارة إلى أن كثيرًا من الخطاب السياسي الأمريكي في تلك الفترة كان مبنيًا على فرضيات غير مدعومة بأدلة. ورغم هذه التحذيرات، فضّلت إدارة ترامب تجاهل الأصوات المهنية والعقلانية، مما عمّق الفجوة بينها وبين المؤسسات الدولية، بل وأثار شكوك حلفائها الأوروبيين، الذين ـ كما وصفهم المدير السابق ـ “تظاهروا بالتأييد خوفًا من ردود ترامب”.
اليوم، المشهد انقلب: إيران باتت أكثر ثقة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية فقدت جزءًا من هيبتها الرقابية، فيما تواجه الولايات المتحدة أزمة ثقة متنامية في أدواتها الدبلوماسية والاستخباراتية.
ما حدث لا يمكن اعتباره مجرد خطأ في التقدير، بل زلزالًا استراتيجيًا قد يمتد أثره لسنوات قادمة، يُعيد رسم ملامح النظام الدولي ويوسّع فجوة الثقة بين واشنطن والعالم.



