بعض ملاحظات على مجموعات الواتساب
بقلم : د. صالح الفهدي
أضحت مجموعات الواتساب أشبهُ بالمجالس الواقعيةِ تجمعُ أفراداً معيَّنين على أَساسٍ من القرابات ، أو الاهتمامات ، أو التخصصات أو العلاقات أو غيرها ، ولقد كانَ لها الفضلُ في كثيرٍ من الأُمور لعلَّ أَهمُّها توطيد علاقات المجتمعِ بعضه ببعضٍ ، وتشكيل صداقات وعلاقات مع الآخرين في الأقطار الأُخرى ، ونقلِ المعرفةِ ، والإستفادةِ من الآراءِ ، واتخاذ المواقف والقرارات المشتركة ، وتصحيح المعلومات المغلوطةِ ، وإيقافِ الشائعات ، وغير ذلك من الإيجابيات العديدة.
هذه المجموعات أصبحت عابرة للأوطان العربية ، فتجدُ أن في بعض المجموعات أعضاء من جميع أقطار العالم العربي ، وهو ما يحقق الاجتماع عبر الاستفادة من إحدى وسائل التواصل الاجتماعي ما يعني تكوين علاقات وطيدة ، تطوَّرت إلى زيارات متبادلة ، واستفادات علمية وأدبية مشتركة ، فساعد ذلك على تصحيح بعض المفاهيم والرؤى من هذا الطرفِ أو ذاك.
ويدهشني أن البعض مشتركٌ في ما يقارب المائتي مجموعة داخل الوطن وخارجهِ ما يعني أن علاقاته قد توسَّعت ، وأنه قد أوصل فكرهُ ، ورسالته بيسرٍ وسهولة إلى أقطار كثيرةٍ بضغطةٍ زرٍ سريعة.
ونظراً لأهميَّة هذه المجموعات (المجالس) فإِنَّ لديَّ بعض الملاحظات ، آملُ أن تؤخذ في الاعتبار من قِبل بعض المشاركين في المجموعات تقديراً لدورها الوطني ، والاجتماعي ، والأخلاقي ، والعلمي ، والملاحظات على النحو الآتي :
أولاً : يتعامل البعض مع المجموعات وكأنَّها (مرادم) -مع الاعتذار للمفردة- يُلقونَ فيها بكلِّ غثٍّ وسمين ، وكل صالحٍ وطالح ، ليؤكِّدوا للآخرين نشاطهم ، وتفاعلهم ، لكنَّ ذلك أمرٌ خاطيء له سلبيَّاته ، وتبعاته على الوطنِ ، والمجتمع ، أمنياً ونفسياً وأخلاقياً ، ولهذا يُفترضُ أن يقيِّم كلَّ عضو أيَّة معلومة ، أو خبر ، أو مقطع ، أو صورة ينشرها عبر المجموعات ، وذلك بسؤال نفسه : ما القيمة التي ستضيفها هذه المشاركة؟ هل لهذا الخبر من أبعاد مضرَّة بالوطن والمجتمع؟ هل التعليق سيثيرُ الفتنة أو الضغينة لدى بعض المشاركين في المجموعة؟ هذه الأسئلة مهمَّة لأنها ترسم الصورة الذهنية لأخلاقيات وتوجهات العضو المشاركة في ذهنية الآخرين.
ثانياً : الحوارات في بعض المجموعات يفترض أن ترتقي إلى مستوى نضجِ المشاركين فيها ، لأنها تعكسُ أخلاقياتهم ، حيث لا يراعي البعض من إلقاء كلمةٍ أو عبارةٍ مؤذيةٍ للآخر الذي قد تكون له قيمة علمية ، أو دينية ، أو فكرية ، على سبيل المثال وضع أحد الثقاة من ذوي الفكر والأدب مشاركةً معيَّنة فجاءه الردُّ الساخر من أحدهم : “ما شي منَّه!!” فلم يُراعي منزلته ولا مقامه ، ولم يدخل معه في حوار رفيع.
ثالثاً : بعض المجموعات تبدأ بأعضاء من المهتمين بموضوعٍ معيَّنٍ ثم تنتهي بمشاركين من كل اهتمامٍ بل ومن غيرِ اهتمام ، وكأنَّما يتغيَّر الهدف للمجموعة بعد ذلك ، وهنا يصبح الحوار مشتتا والمشاركات لا شأن لها بعنوان المجموعة التي أنشأت لهدفٍ معين!
رابعاً : يُنشأُ المشرفون المجموعات ثم يختفي أغلبهم بعد ذلك ، خاصَّة عند نشر مشاركات لا تليق بالمجموعة ولا بمكانة المشاركين فيها فلا يكون لهم دورٌ فيها ، وقد انسحبتُ شخصياً من بعض المجموعات حينما وجدتُ بعض المشاركات لا تُراعي الآداب والأخلاقيات ، أو أنها تثير الفتن ، أو النعرات ، لهذا يُفترضُ أن يكون لمشرفي المجموعات رأي واضح في المشاركات التي تحيد عن نطاق اهتمام المجموعة ، كما لا يجب التزام الصمت من قِبل بقية الأعضاء لمشاركةٍ غير لائقة بل يُفترض أن يوجِّهوا النصح لصاحبها ، أو إبداء اعتراضهم على نشر ما لا يتوافق مع أخلاقيات المجموعة أو اهتماماتها.
خامساً : بعض المجموعات تُنشأ لأهدافٍ غير مُعلنةٍ يحتفظُ بها من أنشأها ، ولهذا يتوجَّب على كلِّ من يُضاف إليها أن يقيِّم الوضعَ فيها ثم يقرر بعد فترةٍ يسيرةٍ إن كان سيستمر في عضويتها أو ينسحب لما يراهُ من رأيٍ يوافقه شخصياً ، ولا يمكن أن يُجبَره أحد في الأَساس على العضوية دون موافقته. أضربُ هنا المثال على إنشاء أحد الأشخاص مجموعة (واتسابية) وأشرك فيها من شاركه الرأي ، فلمَّا وقعَ في المحظور الأمني ، أوقع معه الجميع ، الذين وجدهم قد انسحبوا منها بعد أن قضى العقوبة!.
سادساً : لا يُراعي بعض المشاركين أن في المجموعة من ذكور وإناث فيشارك بما لا يليق في مجموعات عامةٍ من النواحي الأخلاقية ، الأمر الذي يسبِّبُ حرجاً لبعض المشاركين ، وهُنا لا يفترض مجابهة ذلك بالصمت وإنما بإسداء النصحِ ثم بإخراج من لم يجدِهِ النصح من المجموعة.
سابعاً : بعض المشاركات لا يفترضُ تداولها تطبيقاً لقاعدة “أميتوا الباطل بالسكوت عنه” ولا يمكن التبرير بنشرها على أن النشر للعظة والعبرة فالباطل لا يتَّعظ به ، وإنما إماتته بدفنه أجدى وأنفع.
هذه بعضُ الملاحظات التي أُشارككم بها ، راجياً أن نراعي ديننا ووطننا وتاريخنا وحضارتنا ومجتمعاتنا مراعاةً دقيقة في كل ما يمكن أن يلامسها بالضرر ، لأننا ننتسبُ إليها ، وكل أذى لها هو أذى لأنفسنا.
والله الموجِّهُ والمُرشد.