بدرية طلبة بين وهم النجومية وأزمة الثقافة العامة

بقلم: حسن الحضري
يمكن تعريف الثقافة العامة بإيجاز بأنها: «مجموعة السمات والخصائص التي تؤمن بها جماعة بشرية في مجتمع ما، وتنعكس على سلوكهم وتعاملاتهم».
لكن في مجتمعاتنا العربية، وعلى رأسها مصر، ترسَّخ مفهوم مقلوب جعل من الراقص والممثل واللاعب رموزًا للمجتمع، بينما أُقصي صاحب الفكر والإبداع العلمي والأدبي إلى الهامش، فقط لأن إنتاجه يخاطب العقول، بينما العقول مشغولة بإغراءات المال والشهرة والنفوذ؛ تلك الإغراءات التي تُمنح بسخاء لمن لا يحسن سوى الرقص أو التمثيل أو اللعب.
لقد انحرفت الثقافة العامة عن مسارها منذ عقود، حتى أصبح الطالب في المدرسة يحترم جميع معلميه إلا معلِّم اللغة العربية؛ لأن المجتمع غرس في ذهنه أن العربية عبء، وليست هوية. كما انتشرت تيارات ثقافية مشوَّهة تستقدم من يحقق تراثنا من غير أهله، وتمنح مكانة “الخبير والمحكِّم” لأشخاص لا يعرفون شيئًا عن الشعر وأوزانه.
ثقافة ترى أن الإبداع لا يتجاوز “الرقص والعزف والتمثيل”، فأتت لنا بوزراء من خارج سياق الفكر والمعرفة، وغفلت عن أن الثقافة الحقيقية هي التي تبني بالعلم والكلمة وتُعلي من شأن العقول. بل إن بعض أساتذة الجامعات ــ بدلاً من رعاية النوابغ ــ يقفون ضد طلابهم المتميزين خشية منافستهم مستقبلًا، كما أن مؤسسات العمل كثيرًا ما تحارب الموظف المجتهد، معتبرةً إياه خطرًا ينبغي التخلص منه، في تطبيق مشوَّه لقاعدة “مصلحة الجماعة فوق مصلحة الفرد”.
في هذا السياق المشوَّه نشأت صورة الممثلة بدرية طلبة التي أساءت إلى الشعب المصري، متوهِّمةً لنفسها مكانة لم يمنحها لها إلا هذا المناخ الثقافي المنحرف. وما كان لها أن تتجرأ لولا البيئة التي رفعت من شأنها، وأقصت أصحاب الفكر الحقيقي.
إن الأزمة ليست في الأفراد، بل في المنظومة الثقافية العامة التي تحتاج إلى تصحيح جذري. فالثقافة، في حقيقتها، هي الفكر الجامع الذي يلتقي عنده أبناء المجتمع، فيحوِّلونه إلى سلوك حضاري ينهض بهم، لا إلى وهمٍ يضلّهم.
