اليمن تحتفي بالذكرى الستين لثورة الــــ 26 من سبتمبر 1962م
بقلم : وافي الجرادي
ألف عام والأئمة يحكمون اليمن ، يوزعون صكوك العذابات والثبور ، يصادرون الأموال والممتلكات ، ويتعاملون مع اليمنيين على قاعدة أنهم عبيد ومأمورين ، وأن عليهم السمع والطاعة للإمام ، إلى أن تفجّرت ثورة الــ 26 من سبتمبر 1962م ، بوجه الإمام ” محمد البدر حميد الدين” حاكم المملكة المتوكلية في شمال اليمن ، بينما كان الجنوب تحت إمرة الاستعمار البريطاني البغيض.
نعم تفجّرت ثورة ضد النظام الملكي الإمامي ، وحمل اليمنيون على أكتافهم السلاح لمحاربة الإمامة وجيشها في المدن وعلى سفوح الجبال وفي بطون الأودية ، لم يقوموا بكل هذا لأجل إرضاء أحلام وتطلعات قوى خارجية بحته ، بقدر ما كان نتيجةً لبلوغهم أشد المعاناه والقهر وبطش النظام الإمامي ، وتحويله لموارد اليمن لمجرد موارد خاصة به ولأنصاره المقرّبين ، بينما اليمنيين يتضوّرون الجوع ويواجهون شتى أنواع العذاب والفقر والبطالة ، ولكن الإمامة وقيادتها بمنأى عن كل ما يحدث من فقر ومهانة ، وليس من واجباتها توفير حياة كريمة لليمنيين أجمع ، الى أن قضى الله أمره وأنهى عروش طغيانها وجبروتها ، في واحدة من أعظم وأنبل الثورات في التاريخ.
في السادس والعشرين من سبتمبر من كل عام يحتفي اليمنيون ، وبمختلف توجهاتهم وإنتماءتهم السياسية بذكرى خالدة ويوماً أغرّ ، أعاد لليمنيين عزتهم ومجدهم ومرغ مضاجع وأنوف قوى الإمامة والرجعية ، ومهّد الطريق وبكل سلاسة لطرد المستعمر البريطاني لجنوب اليمن في 1967م ، ووحّد اليمن بعد أن كانت مقسمة ، تحكمها قوى متناحرة تعمل بالوكالة لصالح قوى اقليمية ودولية.
حينما يصبح التعليم محصوراً على من يملك المال وأصحاب الطبقة العليا ، وتتفشى سياسة جمع الاموال وبالقوة ، وتحت مسميات إمامية رجعية لا تؤدي الى تقديم الخدمات وبناء المرافق من جامعات ومستشفيات أو تعبيد الطرق ، ومساعدة الشعب ، والعمل على تطوّره وإزدهاره ، فليس عليك كإنسان إلا أن تثور وتغضب في وجه السلطة ، وأن تطالب بحقوقك المشروعة ، لأن السلطات لم يتم ايجادها لأجل خدمة ورفاهية فئة معينة على حساب شعب بأكمله ، ولم يحدث في التاريخ أن أُجِدت سلطات تمارس القهر والظلم ، ويموت رعيتها من الجوع إلا في ظل حكم الأئمةً لليمن ، حكم تلطّخت أياديه ، وقاداته بكل طرق الابتزاز والجور ، وبانت معالمَهُ سوداوية قاهرة للكل ، وبحكم قساوته وتجبّره لم يكن يتوقع الكثيرين في الداخل والخارج أن يتلاشى بصمود وتضحيات وعزيمة الجمهوريين والمناضلين لأجل إستعادة اليمن وتحريره من براثن ووصايا أنظمة متخلّفه جبانه ، سخّرت موارد وإمكانات البلاد الى جيوبها الخاصة ، وأفشت الفقر والبطالة في ربوع اليمن ودون أي وازع ديني او أخلاقي أو عرف.
نجم عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م التخلص من النظام الإمامي في شمال اليمن ، بعد أن أفنى أحرار اليمن سنواتهم وحياتهم ، وقادو معارك بطولية شرسة والى جانبهم الجنود المصريين الذي بعث بهم الزعيم الراحل ” جمال عبد الناصر” حيث وصل عددهم لقرابة ال20 الف جندي ، شاركا وساند اليمنيين في معركتهم المقدسة وصولاً الى هزيمة الإمامة ، وإنهاء تسلطها وتجبرها شمالاً ، واجبار المستعمر البريطاني على الانسحاب من الجنوب ليتحقق لليمن عزتها ومجدها ولينال اليمنيون حلو صبرهم.
يحتفي اليمنيون ، وفي كل المدن والقرى وعلى اختلاف توجهاتهم وإنتماءتهم بثورة ال26 من سبتمبر في ذكراها الستين ، يُمجِدونها ويتبادلون التهاني والأفراح ، كما وأن الأغاني والأهازيج الثورية السبتمبرية تجوب كل ربوع اليمن ؛ فرحاً وفخراً بيومٍ تنكّست فيه كل رايات العبودية والاستغلال والمهانة ، وأعلت بدلاً منها رايات الجمهورية والمجد والشجاعة…. ويا لهذا اليوم التاريخي التليد من معنى حيّ وخالد!
تأتي الذكرى وشعبنا اليمني ومنذ سبع سنوات يواجه حرب قذره ، واقتصادنا مدمر ، وحياتنا تشوبها كل المخاوف والأوجاع والأنين… ومع هذا نحتفي ونصدحُ بالأناشيد والأغاني الثورية ، وكأن شيئاً لم يحدث في صورة تُجسّد مدى حب وارتباط كل فئات ومكونات الشعب اليمني بثورة ال26 من سبتمبر ، رغم أن أهدافها لم تتحقق كاملةً بعد ، رغم ما تعرضت له اليمن من انتكاسات وصراعات وحروب شتى…. أي أن سبتمبر المجد والتاريخ ، فعلاً خُلّد في ضمير ووجدان كل يمني وما من جيلٍ ناشئ إلا وأحب ال26 من سبتمبر.