آراء

المتحف المصري الكبير (GEM)

بقلم : السفير/ أشرف عقل

Advertisement

شهدت مصر في الأول من نوفمبر 2025م حدثًا تاريخيًا عظيمًا تمثّل في افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يضم مجموعة هائلة من الآثار الخاصة بحضارة واحدة هي الحضارة المصرية القديمة.

وجرى الافتتاح وسط حضور دولي رفيع المستوى، بما يعكس المكانة التي تحظى بها مصر في العالم، وهو أمر ليس بجديد على بلادنا التي تمثل أيقونة هذه المنطقة المهمة في التاريخ الإنساني. ومن هذا المنطلق، رأيت أن أكتب عن هذا الحدث الجليل بأسلوب مبسط، لعلّه يجد صدًى لدى من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

Advertisement

حفظ الله مصر وسائر بلادنا من كل سوء، وجنّبها الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه على كل شيء قدير.

يُعدّ المتحف المصري الكبير أكبر متحف في العالم يضم آثار الحضارة المصرية القديمة، ووجهةً سياحية رئيسية من شأنها دعم قطاع السياحة في مصر خلال المرحلة المقبلة. كما يُجسّد المتحف رمزا لماضي مصر العريق ومنارةً لمستقبلها المشرق، فضلًا عن كونه إرثًا إنسانيًا لا يُقدّر بثمن.

يقع المتحف على بُعد أميال قليلة غرب القاهرة، بواجهة تُطل مباشرة على أهرام الجيزة، وتبلغ طاقته الاستيعابية نحو خمسة ملايين زائر سنويًا. ويضم أكثر من مئة ألف قطعة أثرية من العصور المصرية القديمة واليونانية والرومانية، من بينها المجموعة الكاملة لآثار الملك توت عنخ آمون التي تزيد على خمسة آلاف قطعة، إلى جانب تمثال الملك رمسيس الثاني الذي يتوسط البهو الرئيسي. كما يشمل المتحف مباني خدمية وتجارية وترفيهية، ومركزًا للترميم وحديقة متحفية.

تعود فكرة إنشاء المتحف إلى عام 2002م في عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، وتبلغ مساحته نحو 117 فدانًا، منها 108 آلاف متر للمبنى الرئيسي. وقد أطلقت مصر حملة دولية لتمويل المشروع، كان من أبرز المساهمين فيها وكالة الجايكا اليابانية من خلال قروض ميسرة.

تم اختيار موقع المتحف بعناية بالقرب من أهرام الجيزة، وفازت شركة هينجان بنغ (Heneghan Peng) بمسابقة التصميم المعماري، بينما تولت شركة أتيليه بروكنر (Atelier Bruckner) تنفيذ العرض المتحفي. أما الأعمال الإنشائية ففاز بها تحالف شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة مع شركة بيسكس (Besix)، تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، فيما تولّت شركة المقاولون العرب نقل القطع الأثرية الضخمة إلى المتحف.

شمل تمويل المشروع قرضين ميسرين من وكالة “جايكا” اليابانية، الأول عام 2006م بقيمة 280 مليون دولار، والثاني عام 2016م بقيمة 460 مليون دولار، إضافة إلى 150 مليون دولار من التبرعات المحلية والدولية، و100 مليون دولار تمويلًا ذاتيًا من الحكومة المصرية.

وفي 10 يونيو 2018م، تم الكشف عن شعار المتحف (اللوجو) الذي سيُستخدم في حملاته الترويجية محليًا وعالميًا، وصمّمه اللبناني–الهولندي طارق عتريسي بتكلفة بلغت 800 ألف جنيه مصري، ضمن تكاليف تصميم العرض المتحفي الذي تنفذه الشركة الألمانية “أتيليه بروكنر”. وقد أثار تصميم الشعار جدلًا واسعًا بين المثقفين والفنانين، إذ رأى البعض أنه بسيط أكثر من اللازم، بينما اعتبر آخرون أن البساطة نهج تتبعه المتاحف الكبرى في العالم.

يمثل الشعار التخطيط الأفقي للمتحف الذي تنفرج جوانبه لتطل على أهرام الجيزة، ويأخذ اللون البرتقالي الذي يعكس لون الشمس عند الغروب على هضبة الأهرام، أما الخط العربي الانسيابي المستخدم في كتابة الاسم فمستوحى من الكثبان الرملية في البيئة المحيطة.

وقد حصد المتحف المصري الكبير شهادة “EDGE Advance” كأول متحف أخضر في إفريقيا والشرق الأوسط، والمعتمدة من مؤسسة التمويل الدولي (إحدى مؤسسات البنك الدولي)، بعد تحقيقه معايير ترشيد الطاقة واستخدام الأنظمة النظيفة في البناء والإضاءة والتهوية وتركيب الخلايا الشمسية.

يخضع المتحف لإدارة رفيعة المستوى، إذ يرأس مجلس الأمناء رئيس الجمهورية، ويضم في عضويته عددًا من الشخصيات لا يزيد على عشرين، ويتولى إقرار السياسات العامة والخطط الاستراتيجية، ودعم ومتابعة نشاط الهيئة. أما مجلس الإدارة فيرأسه الوزير المختص بشؤون الآثار، ويضم ما بين عشرة وعشرين عضوًا من ذوي الخبرة العلمية والدولية، نصفهم على الأقل من خارج الهيئة.

ويُعيّن الرئيس التنفيذي للمتحف ونائباه بقرار من رئيس مجلس الوزراء، لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، بناءً على ترشيح الوزير المختص، ويمثل الرئيس التنفيذي الهيئة أمام القضاء وفي علاقاتها الخارجية.

إن افتتاح المتحف المصري الكبير يُعد إنجازًا تاريخيًا لمصر وللتراث الإنساني على السواء، وخطوة عملاقة نحو ترسيخ مكانة مصر مجددًا في صدارة المشهدين الثقافي والسياحي العالمي. وقد جاء الحضور الدولي الرفيع لحفل الافتتاح تأكيدًا عالميًا على مكانة المتحف، ورسالة من مصر تجمع فيها بين عراقة الماضي وابتكار الحاضر وازدهار المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى