آراء

اللبان وظفار… يستحقان متحفًا ومركزًا دوليًا للبحث والابتكار

بقلم: معمر اليافعي

Advertisement

في قلب الجنوب العُماني، حيث تتعانق الجبال مع عبير اللبان، وتُروى الحكايات بشذى التاريخ، تقف صلالة شامخة لا بجمالها الطبيعي فحسب، بل بما تختزنه من إرثٍ عبر البحار، تاركًا بصمته في المعابد والكنائس وأسواق العالم القديم.

هناك، حيث لا تزال شجرة اللبان تُلقي بظلالها على الرمال، وحيث يتقاطع العطر مع الذاكرة، تنبعث دعوة صادقة من العقل والقلب: أليس من الأجدر أن يُخلَّد هذا الإرث في معلم عالمي يليق بمقامه؟

Advertisement

لماذا لا يتم إنشاء متحف ومركز دولي للّبان العُماني، يكون منارةً للبحث العلمي، ومنصةً للابتكار والتعليم والتجارة والسياحة؟ صرحٌ لا يكتفي بعرض الماضي، بل يُنتج مستقبلًا، ويزاوج بين الحكمة العُمانية القديمة وأدوات العصر الحديث.

اللبان ليس منتجًا عاديًا. إنه جزءٌ من الهوية الوطنية، وصوتٌ ينبعث من عمق الأرض، ونداءٌ يتردد صداه منذ قرون، من الإسكندرية إلى روما، ومن الهند إلى الصين. هذا الإرث لا يليق به أن يبقى مجرد منتج موسمي أو مادة تعبأ في قوارير، بل يجب أن يتحول إلى معلم روحي وثقافي وتاريخي وتجاري يعكس مكانته الحقيقية.

نحن بحاجة إلى فضاء حيّ يُعيد رواية قصة اللبان:

حيث يشم الزائر عبق التاريخ في غرفةٍ تفاعلية

ويستمع إلى أناشيد البحّارة وهم يحمّلون اللبان في الموانئ القديمة،

ويرى الخرائط التي سلكتها القوافل.

ويكتشف الاستخدامات الطبية والعطرية والعلمية لهذه المادة السحرية.

نطمح إلى مركز دولي يعقد مؤتمرًا سنويًا، يستقطب الباحثين من الجامعات العالمية، وصنّاع العطور، وأصحاب الابتكارات في منتجات اللبان، ورواد العلامات التجارية.

وإلى متحفٍ يروي القصص والتجارب والعلاقات التي نسجها اللبان عبر القرون، ويعرض العطور المستوحاة منه، وأدوات الحصاد والتجفيف والتجارة، في تجربة تفاعلية نابضة بالحياة.

ما الذي يمنع صلالة من أن تكون عاصمة عالمية للبّان؟

بسوقٍ مفتوح للمنتجات العُمانية المرتبطة به

ومركزٍ للتدريب والتغليف والتسويق

وصالة عرضٍ دائمة للابتكارات الحديثة

ومتجرٍ رقمي موصول بالمتحف يشحن إلى العالم

هذا ليس حلمًا طوباويًا، بل مشروع واقعي قابل للتنفيذ، إذا ما توفرت الرؤية والإرادة والدعم.

نحن لا ندعو لبناء جدران إسمنتية، بل لصناعة معنى.

لا نبحث عن مبنى، بل عن مؤسسة تكرّم ما نملك، وتحاكي عراقة اللبان بلغة العصر.

لدينا المادة الخام، ولدينا التاريخ والرمزية. ما نحتاجه فقط هو أن نُقيم للّبان مؤسسةٌ تحمل اسمه، وتحكي قصته، وتُحوّل تراثه إلى ثروة اقتصادية ومعرفية مستدامة.

إن إقامة هذا الصرح في صلالة لن يكون تكريمًا للماضي فحسب، بل بوابة للمستقبل: للسياحة والتعليم والاستثمار وصناعة العطور والمنتجات الصحية.

نحن اليوم أمام فرصة ذهبية لصياغة هوية اقتصادية جديدة، مستلهمة من شجرةٍ وقفت شامخة لآلاف السنين… تنتظر فقط من يدرك قيمتها، ويحسن استخدامها.

وفي ختام المقال، من فلسفة ثروان:

“التراث لا يُخلّد بالحكاية وحدها، بل حين يُصبح منصّة تُلهم، وتُنتج، وتُصدر… من الأرض إلى العالم.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى