الكويت والمرسوم التاريخي
بقلم : د. صالح الفهدي
الديمقراطية ليست وصفةً سحريَّةً ذات مكوِّناتٍ واحدةٍ يُمكنُ تطبيقها على كلّ ثقافة ، وإِنَّما هي ممارسة وطنيَّة ذات طبائعَ مختلفةٍ باختلافِ الثقافةِ ، والوعي ، والتاريخِ ، والمكوِّن السياسي ، ولا توجد ديمقراطيةٍ حيَّة لا تأخذ بهذه العناصر ظاهرًا أم باطنًا ، وبذلك يمكنُ تطويعها لتتوافقَ مع المكوِّنات الخاصَّة بكلِّ مجتمعٍ لأجلِ نمائهِ ، وتطويره.
والدساتيرُ هي الأساسُ المشرِّعُ لهذه الممارسة ، وهي الضامنُ لها ، والكافلُ لحقوقها ، بيدَ أنَّها دساتيرُ وضعيَّة أي إنسانيَّة الفكرةِ ، والمنشأ ، وعلى ذلك فإِنها يُمكنِ أن تُراجع ، ويُعادُ النظرُ فيها بشموليةٍ ، أو بجزئية ، من أجلِ إصلاحِ الممارسةِ على أرضية الواقع ، فالدستورُ أشبهُ بالوصلةِ التي تُحدِّدُ الاتجاه للوصول إلى الغايات ، وحينما ينحرفُ الاتجاه عن طريقه الأصيل ، فإِنَّ ذلك يعني أن البوصلة قد شابها عطلٌ ما ، ويجبُ إصلاحها لتعود إلى طبيعتها ، مشيرةً إلى الاتجاه الصحيح ،
وهذا ما حدث مؤخرًا من إصدار أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح مرسومًا أميريًا يقضي بحلِّ البرلمان الكويتي وتعطيل مواد بالدستور ، وهو القرارُ الثالث في الدستور الكويتي لعام 1962 ، إذ يؤكِّد الخبير الدستوري د.محمد الفيلي في حديثه لصحيفة “السياسة” الكويتية ، أن وقف العمل ببعض مواد الدستور عامي 1976 و1986 كان لأربع سنوات ، وفي المرتين السابقتين تمت العودة للعمل بدستور عام 1962.
وإذا كان القرارُ “صعبًا” كما وصفه أميرُ الكويت إلا أنَّه كان حتميًّا كما يرى ولا هوادةَ فيه ، إذ يقولُ سموُّه بحزمٍ : “لن أسمح على الإطلاق أن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة لأن مصالح أهل الكويت ، التي هي فوق الجميع ، أمانة في أعناقنا ، علينا واجب صونها وحمايتها” وقدَّم الأمير أمثلةً على تجاوزاتٍ لا تتوافق مع الحقوق الدستورية.
إِننا لا نفتأ نتحدَّثُ عن الكويت التي نحبُّها ، لسماحةِ أهلها ، وطيبِ معشرهم ، ولطف جانبهم ، بأنَّ الكويت تستحقُّ ما هو أفضلُ لتنميتها ، وهي لا تُعدمُ المادةَ ولا الكفاءات ، فالكويتُ التي تملك أقوى عملة في العالم وهو الدينار الكويتي ، قد أَنشأت أول صندوق سيادي في العالم بمسمَّى “صندوق الأجيال القادمة” عام 1953م ، تزيدُ ثروته اليوم عن نصف ترليون دولار ، فهي إذن تمتلكُ القدرة بهذه الثروة العظيمة على تحويلِ البلادَ إلى دولةٍ عصريةٍ في جميع البُنى التحتيِّةِ ومعالم الحياة الحديثة ، كيف لا وهي التي تقدَّمت على دول الخليج في مناحٍ شتَّى منذ الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين خاصَّة في الجانب التعليمي الذي هو أساس تقدُّم الدول.
بيدَ أنَّ مجلس الأُمَّةِ قد شغل الناس بما أُتيح له من أدوات برلمانية خاصَّة الاستجوابات التي أفرط البعض في استخدامها كما يؤكد أستاذ القانون د. محمد الفيلي ، فأصبح الاستجواب عنصر ضغط من النائب على الوزير والحكومة ، حتى أصبحت اللعبة الدستورية عند بعض النواب “عبثية” كما يضيف ، وأصبح المجلس ميدانًا لتصفية الحسابات بين مجموعات معيَّنة ، وساحةً للصراع المستمر كان الوطنُ والديمقراطية هما ضحاياها ، وعلى ذلك وجد أمير الكويت أن لا مناصَ من قرارٍ تاريخيٍ بعد نحو ستين عامًا من عُمر الدستور ، لتصويب البوصلةِ ، وتصحيح الاتجاه ، فكان مرسومه التاريخي الذي نأملُ أن يعيد للتجربة الديمقراطية الكويتية فاعليتها ، ورُشدها ، وبريقها ، فينعكسُ ذلك على نماءِ ، وتقدِّم الكويت الشقيق الذي نحبه ، ونحبُّ أهله.