القوة البشرية الماهرة = دخل قومي للدولة
بقلم : محمد عبدالسلام
صناعة التدريب والتطوير من أهم مقومات التنمية التي تعتمدها الدول لبناء جهاز لديه القدرة في الحاضر والمستقبل لمواجهة الضغوطات والتحديات الإنسانية التقنية الإنتاجية ، والإدارية ، والأزمات العالمية التي ترتبط مباشرة بالفرد كونه إنسانا من جهة ، والمحرك الأساسي لكافة عناصر الإنتاج من جهة أخرى. وتتوقف على كفاءة كافة هذه العناصر وبالتالي كفاءة الأداء التنظيمي في مواجهة كافة التغيرات المتلاحقة ليس على المستوى المحلى فقط بل على المستوى الدولي.
ليست قلة التكاليف وحدها هي السبب ولكن توفر العقول والمهارات تبدو العلامة الفارقة في كل اقتصاد صناعي او تجارى او خدمى في العصر الحالي وما نشهده من تحديات في كل دول العالم (فقدان وظائف / استحداث وظائف جديدة / اندثار مسميات وظيفية )
العالم الان يتحدث عن قوة بشرية جديدة تمتلك افكارا إبداعية وابتكارية تنافس على المستوى الدولي والعالمي وليس المحلى فقط
تكتسب إدارة الموارد البشرية أهمية خاصة في المنظمات الدولية وذلك لعدة أسباب من أهمها:
- اتساع الرقعة الجغرافية التي تجب إدارتها مما يستلزم قوة بشرية على مستوى عال من الكفاءة، قادرة في الكثير من الأحيان على اتخاذ قرارات رئيسية هامة بمعزل عن الإدارة العليا للمنشأة. الكثير من المصانع والشركات العالمية تريد فتح فروع لها في دول عربية أو اقليمية لماذا؟.
- اختلاف الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية في المناطق التي تمارس فيها المنشآت الدولية أعمالها، الأمر الذي يستوجب وجود إدارة قادرة على تكييف ظروف المنظمة وسياساتها وفقاً لهذه المتغيرات(التغييرات العالمية بعد ازمة كوفيد 19 وكورونا )
- لكل هذه الأسباب نجد أن الشركات الدولية متعددة الجنسيات تولي اهتماماً كبيراً لتخطيط احتياجاتها من القوى العاملة بشكل مسبق وفي متسع من الوقت ، كما هو الحال بالنسبة لشركة دولية مثل شركة شل البريطانية الهولندية المشتركة التي تقوم بتخطيط احتياجاتها من القوى البشرية على مدى خمسة عشر عاماً مسبقاً.وصناعة السيارات بالمغرب بعد ان وفرت البيئة المناسبة للمنافسة عالميا في هذا المجال .
**استبدال مصطلح تكلفة اليد العاملة باليد الماهرة … وتطوير هذا النهج بالكفاءة والخبرة والتدريب ..
بالإمكان أن تنافس تخصصات صناعية دقيقة وبالتالي السيطرة على سوق الانتاج في مجالات عديدة ومتقدمة .
هناك شركات تهتم بالأفكار والابداع وتركز على ثقل المهارات لدى الكادر البشري لديها بعدة طرق وفى العصور السابقة كان يرسل الامراء والملوك موردهم البشري للبعثات التدريبية في العلوم والمهن المختلفة في اغلب الدول والعودة ليقدم ما حصل عليه من خبرات وكفاءة لبلاده (دخل قومي جديد)
كذلك انظمة وسياسات سوق العمل المرنة في الدول هي عامل مساعد كبير ..
تفضل الكثير من الشركات الدولية متعددة الجنسية وغيرها من المنظمات المماثلة أن يتولى الوظائف الرئيسية في الوحدات والفروع التابعة لها في الخارج أشخاص ينتمون إلى البلد الأصلي لهذه الشركات والمنظمات لأن مثل هذا الأمر يحقق لها المزايا التالية:
- ولاء هؤلاء المديرين والكادر البشري للمنظمة في حالة نشوب نزاع بينها وبين السلطات المحلية في البلد المضيف فلو نشب النزاع وكان المديرون الرئيسيون من مواطني البلد المضيف لانحاز هؤلاء المديرون في الغالب إلى مصالح بلدهم ضد مصالح المنظمة التي يعملون معها.
- سهولة الاتصال بين رئاسة المنظمة والوحدات التابعة لها في الخارج وذلك لأن طرفي الاتصال في مثل هذه الحالة يستندان إلى خلفية ثقافية واحدة (اللغة، الدين، العادات الاجتماعية… الخ).
- إن اختيار المديرين الرئيسيين من البلد الأصلي والكادر البشري يضمن أيضاً جودة تفسير سياسات وإجراءات وخطط المنظمة وذلك لأن المنظمة تكون في العادة متأكدة من كفاءة تدريب مثل هؤلاء المديرين وتطورهم البشري وإلمامهم بمختلف السياسات الرئيسية.
كما أن إحدى شركات النفط الرئيسية العاملة في الشرق الأوسط وجدت أنها تستطيع أن توفر 2.8% من الوظائف لمديرين بريطانيين في الوظائف الفنية والإدارية الرئيسية ، وذلك بنفس التكلفة التي تدفع لمدير أمريكي واحد يؤدي نفس العمل، كما أنها تستطيع استخدام 2.3% مهندسً بريطانيً حديث التخرج بنفس التكلفة التي تحصل بها على مهندس أمريكي في نفس المستوى ، هذا وفي كثير من الأحيان تجد الشركات الدولية أن التشريعات المحلية تفرض عليها أن تكون نسبة معينة من عمالتها ، وفي بعض الحالات من موظفيها الرئيسيين على وجه التحديد، يجب أن تكون من بين مواطني البلد المضيف.
مثال على ما تتخذه شركات عالمية متقدمة فى تخصصات ابتكارية
لماذا تفتح الشركات العالمية مصانعها بالصين ؟
عند سؤالك عن سبب قيام شركة مثل أبل بمعظم عمليات التصنيع في الصين ؟
الإجابة :-
انك تتمنى فعل هذا في دول اخرى مثل (روسيا / جنوب افريقيا / العراق / اليمن ) لكن العدد الهائل من المهندسين في الصين يفوق أي مكان اخر .
هنالك حالة من اللبس بشأن الصين …الافتراض الشائع ان الشركات تلجأ للصين بسبب انخفاض سعر العمالة بها وبالتالي التحكم في تخفيض تكلفة احد عناصر راس المال وبالتالي قيمة المنتج النهائي والفوز بأكبر حصة بالسوق .
لست واثقا الي أي جزء من الصين تذهب هذه الافتراضية للشركات .
لكن الحقيقة هي ان الصين لم تعد دولة ذات عمالة رخيصة منذ وقت طويل وسنوات عديدة …وهذا ليس سبب لجؤ الشركات للصين بل السبب هو المهارة وعدد المهارات المتوافرة في مكان واحد ونوعية تلك المهارة .
المنتجات مثل (ابل ) التي نصنعها تتطلب ادوات متقدمة للغاية والدقة المطلوبة في التعامل مع تلك الادوات والعمل مع المواد التي تنتجها يجب ان تكون بأحدث التقنيات .
المهارة في التعامل مع الادوات متأصلة في الصين
مثال / يمكنك ان تجرى اجتماعا مع مهندسي الادوات والتكنولوجيا في الدنمارك او الصومال او الكونغو وعددهم لن يملأ غرفة اجتماع واحدة ..
اما الصين يمكنك ان تملأ بهم عدة ملاعب كرة قدم لان الخبرة المكانية متأصلة عندهم بالصين ..ليس العدد فقط ..
يعود الفضل للنظام التعليمي وعلى استمرارهم الدفع بهذه السياسة التعليمية حتى عندما قلل الاخرون من شأن الخبرة المحلية والاهتمام بتعظيم فائدة التدريب على رأس العمل واثناء الدراسة .
الان اظن ان كثيرا من دول العالم افاقت وادركت ان هناك مفهوام جوهريا وعلينا تصحيح هذا المفهوم .
أهمية العنصر البشرى في العملية الانتاجية وتأثيرها الواضح على كل من التنمية الاقتصادية والاجتماعية أي زيادة دخل الفرد
.ولنضرب مثالا بسيطا بمصنع أو منشأة او مؤسسة تهتم بتدريب وتطوير كادرها البشرى :
- سيؤدى الى زيادة انتاجية كماً وجودة.
- سيؤدى الى زياد مبيعات وقدرة عالية على المنافسة
- سيؤدى الى انتعاش المنشأة وزيادة الاجور وحصص الارباح
- ستزيد بالتالي القوة الشرائية لدى الكادر البشري وأسرته.
- سيزيد الطلب على المنتجات الاخرى
- سيزيد الانتاج لإشباع الطلبات
- فيزيد دخل الفرد والدخل القومي ، وتزيد القوة الشرائية ، وهكذا ، فتتوسع المصانع الحالية وتنشأ صناعات جديدة
تستوعب قوة العمل وتقضى على البطالة.
مثال آخر ولكن معكوس:-
منشأة صناعية بها عمال وكادر بشري غير مدربين ولامؤهلين
- انتاجية ضعيفة كمية وجودة وفاقد كبير وتكاليف اكثر تفوق تكلفة التدريب
- عدم القدرة على المنافسة
- توقف بعض خطوط الانتاج
- تصفية وتسريح عمالة لعدم الاحتياج لهم
- زيادة البطالة وعدم وجود دخل
- عدم وجود قوة شرائية وقلة الطلب على المنتجات الاخرى
- توقف مصانع اخرى لعدم وجود طلب
- توسع وزيادة في حجم البطالة
- انتشار المشاكل وانخفاض الدخل القومي وتراجع الاقتصاد القومي
لك حرية الاختيار الان في الاستفادة من قوة العمل الماهرة لديك وتعظيم الدخل القومي منها .