القانون الدولي .. ضرورة عالمية
بقلم السفير : أشرف عقل
يعد القانون ضرورة اجتماعية ، وإذا كان العلامة عبد الرحمن بن خلدون يرى أن الإنسان كائن اجتماعى بطبعه ، فإن الأمر يستدعي تنظيم العلاقات الإنسانية ، حيث قد تتعارض المصالح ، كما قد تتصادم الإرادات . لذا فإن القانون يعد وسيلة لا غنى عنها لإقرار النظام داخل المجتمع .
والقانون الدولي ، كغيره من فروع القانون الأخرى يستهدف تحقيق هذه الغاية ، وربما كان الباعث على ذلك ، على المستوى الدولي ، أهم بكثير من القانون الداخلي فى كل دولة ، لأن المصالح التى ينظمها أخطر بكثير من تلك التى يحكمها القانون الداخلي .
ويسعى القانون الدولي منذ نشأته إلى وقاية المجتمع الدولي من النزاعات والحروب المدمرة ، لكنه فى المرحلة الراهنة ، وبعد أن تحقق حد أدنى من السلام فى العالم ، خاصة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية ، ازداد التواصل بين الدول ، وارتبطت المصالح بينها ، وظهرت علاقات متنوعة سياسية واقتصادية وثقافية ، فأصبح هدف القانون الدولي هو تقوية الروابط والتعاون بين الشعوب ، وتحقيق التنمية الشاملة ، كما أكدت على ذلك المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة .
ولقد شهد القانون الدولي تطوراً كبيراً سواء من حيث مداه أو شخوصه أو موضوعاته ، وهو الأمر الذى كان سببا فى عدم تبلور أحكامه وثباتها ، قياسا على القانون الداخلي للدولة ، كما لا يزال مفهوم السيادة عائقا دون بلورة مفهوم الحكومة العالمية ، أو على الأقل ، توسيع صلاحيات الأجهزة الدولية فى مواجهة الدول ذات السيادة . إلا أن هناك مباديء عليا عامة التطبيق تعد حجر الزاوية فى العلاقات الدولية ، وأساس بناء القانون الدولي ، يمكن أن تشكل لبنة بناء القانون الدولي الجديد .
إن ما تضطلع به الأجهزة الدولية الحالية ، وفقا لميثاق الأمم المتحدة ، لا يزال بعيداً ، عن تحقيق أهداف القانون الدولي ، وآمال الإنسانية . فحلم البشرية هو العيش فى أمن وسلام ، وذلك بعد الويلات التى عانت منها بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية ، ولقد أصبح من الملح ، بل من الأكثر إلحاحاً ، أن تلعب قواعد القانون الدولي دوراً أكثر إيجابية ، على أن تضطلع المؤسسات الدولية بدور فعال ، وتزود بوسائل فعالة ، خاصة فى الوقت الحاضر نظراً للتطور الذى حققه الإنسان فى مجال التسلح والقدرة على الفتك ، وأيضاً ، استخدام أسلحة الدمار الشامل .
ولقد طرأت على القانون الدولي ، فى السنوات الأخيرة ، تحولات مهمة سواء من حيث موضوعاته أو مفاهيمه الأساسية ، بل وحتى فى وظيفته . ومن أبرز سمات التطور المعاصر للقانون الدولي العام ، ظهور فروع جديدة ومستقلة لهذا القانون ، بغية مواكبة المستجدات على الصعيد الدولي . ومن أهم الفروع الجديدة والمتميزة : القانون الدولي الإنسانى ، القانون الدولي للبيئة والتنمية ، القانون الدولي الاقتصادي ، وما يرتبط بها من موضوعات.
ومما لاشك فيه أن كل ذلك سوف يؤدى إلى تعديل أسس النظام الدولى التقليدية ، خاصة فى مجالات حقوق الإنسان ، والعلاقات الاقتصادية والثقافية ، فلم تعد الحدود الجغرافية حصناً للدول فى مواجهة الغير ، ولم يعد لمفهوم السيادة ذلك المضمون المانع ، ولم تعد المميزات الحضارية عذراً أمام عولمة حقوق الإنسان.
ولقد أدى انتهاء الحرب الباردة إلى ظهور مفاهيم جديدة مثل النظام الدولي الجديد ، والعولمة ، وسياسة القطب الواحد ، وكل هذه المفاهيم تختفي وراءها قوى سياسية واقتصادية وعسكرية عظمى ، تسعى إلى صياغة النظام العالمى بما يخدم مصالحها ، يساعدها فى ذلك سيطرتها على المؤسسات الدولية .
إن المجتمع الدولي فى الألفية الثالثة سوف يعاني من عدم الاستقرار ، خاصة وأن عامل القوة بجميع أشكالها مازال يوجه العلاقات الدولية ، وهو مايبدو جلياً للعيان ، فالمجتمع الدولي مطالب الآن بتفعيل دور الأمم المتحدة بكافة هيئاتها ، وهو الأمر الذى يتطلب مراجعة المنظومة الدولية الحالية بصورة دقيقة .
إن العالم اليوم يمر بمرحلة ، فى غاية الحساسية ، قد تؤدى إلى تغييرات جذرية فى أصول العلاقات الدولية التقليدية وقواعدها الأصلية ، وفيما يزيد من عسر هذا المخاض ، الحروب التى تشهدها بعض المناطق فى العالم حاليا ، وكذلك الأزمات الاقتصادية العالمية التى أثرت ، بشكل كبير وواضح ، على جزء كبير من المعمورة ، فضلا عن تطور الأنظمة السياسية فى كثير من الدول ، وهو الأمر الذى يحتم التفكير بجدية أكثر فى رسم معالم جديدة للعلاقات الدولية فى الفترة المقبلة تقوم على تطبيق مباديء العدل والإنصاف ، وعلى احترام حقوق الآخر ، وأيضا حماية البيئة الطبيعية للإنسان .
إلا أن ذلك يظل مرهوناً ، بصورة أو بأخرى بعدة عوامل أهمها : توفر الإرادة السياسية لدى غالبية الدول المؤثرة والفاعلة فى النظام الدولي الحالى ، وأيضا إدراك هذه القوى مجتمعة للمخاطر الجسيمة ، التى قد يتسبب فيها عدم التحرك فى الوقت المناسب لدرء هذه المخاطر والتحديات ، على مكانتها ، بل وعلى وجودها فى حد ذاته.
* حفظ الله الإنسانية جميعاً من الشرور والأخطار ، وأنعم على بلادنا بالأمن والأمان والنمو والاستقرار … اللهم آمين.