العلاقة بين الاحتياج والتعافي: كيف نحب بوعي لا بعجز؟

بقلم: د. آمال إبراهيم
كثيرون لا يدخلون العلاقات بدافع الحب الصادق، بل بدافع الاحتياج، ذلك الاحتياج الذي قد يكون رغبة في الشعور بالأمان، أو وسيلة للهروب من الوحدة، أو محاولة غير واعية لرأب صدع قديم لم يُشفَ بعد. تكمن المشكلة حين لا ندرك هذا الاحتياج داخلنا، فنظن أننا التقينا بمن يُكملنا، بينما نحن في الواقع نبحث عمن يملأ فراغًا لا يستطيع أحد ملأه سوانا. ومع مرور الوقت، يتلاشى الحماس، ويبهت الشغف، لأن العلاقة لم تُبنَ على أسس الوعي والنضج، بل على هشاشة الاحتياج والرغبة في التسكين المؤقت، لا الشراكة العميقة.
يحدث ذلك لأننا لم نتوقف يومًا لنسأل أنفسنا: لماذا نريد أن نكون في علاقة؟ لم نحدد ما نريده من علاقة صحية، ولم نكتشف ذواتنا داخل إطارها. دخلناها ونحن نرتدي أدوارًا كأننا نمثل في فيلم لا نعرف قصته، ولا نعلم إن كنا أبطاله أم مجرد عابري مشهد.
العلاقة الناضجة لا تقوم على الحاجة، بل على وعي حقيقي بالذات، ووعي بمن نصبح عندما نُحب. حين ندرك أن الحب ليس هروبًا من الوحدة، بل لقاء متكامل بين روحين ناضجتين، وليس التقاء نصفين مكسورين يبحث كل منهما عن إنقاذ الآخر، حينها فقط نكون قد بدأنا نسير في طريق الشراكة السليمة.
وعندما نتألم من علاقة سابقة ونبدأ في التعافي، يكون من المهم أن نعيد طرح الأسئلة الكبرى على أنفسنا: ماذا كنت أبحث عنه حقًا في تلك العلاقة؟ هل كنت أحب بالفعل، أم كنت أهرب؟ هل كنت أطلب من الآخر أن يشفيني مما لم أواجهه بداخلي؟ هل تجاهلت حدودًا واضحة حفاظًا على وهم الحب؟ وماذا علّمتني تلك التجربة عن نفسي؟
التعافي يبدأ حين نختار أن نحب بوعي، لا بدافع التعلق، حين نفهم أن الحب الحقيقي لا يُشبه المسكنات، بل يُشبه الضوء، لا يختبئ، ولا يُعطى من فراغ. وحين نُدرك أننا نستحق علاقة ناضجة لا علاقة تُخدّر أوجاعنا، تبدأ أولى خطوات الشفاء.
العلاقات الناجحة لا تقوم على غياب الخلافات، بل على قدرتنا على إدارتها بوعي وأمان. فالشريك الذي نشعر معه بالأمان أثناء الخلاف، هو الشريك الذي يمكن أن نبني معه علاقة متزنة، صحية، ومستدامة.

د. آمال إبراهيم
استشارية العلاقات الأسرية