العلاقات القطرية العُمانية نموذج في المنطقة
بقلم : د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي
شهدت العلاقات العُمانية القطرية الكثير من التطوات الإيجابية في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية خلال العقود الخمسة الماضية. فمنذ بداية السبعنييات من القرن الماضي اعتمدت عُمان على الاستعانة بالمنهج التعليمي القطري في المدارس الحكومية التي كانت تفتقر إلى مثل هذا المنهج. وقد كنتُ ضمن الذين عاصروا دراسة المنهج القطري المتقدم في المدارس الحكومية بالمدرسة السعيدية بمطرح عام 1970 ميلادية ، وهي الفترة التي شهدت فيها السلطنة نهضة جديدة عند تولي المرحوم السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله مقاليد الحكم في البلاد. وظل هذا المنهج الدراسي القطري معتمداً من قبل وزارة التربية والتعليم لسنوات عديدة ، إلى أن تم إعداد المنهج الدراسي العُماني. كما أن العديد من الطلبة العُمانيين تم ابتعاثهم إلى المدارس والكليات القطرية في تلك الفترة لاستكمال دراساتهم في المراحل الدراسية المختلفة لينضموا بعد تخرجهم وعودتهم إلى عُمان في إدارة المؤسسات والأعمال الحكومية وتشغيل مؤسسات القطاع الخاص.
وهذه العلاقة الثقافية والتعليمية بين البلدين أدت إلى تعزيز الكثير من الجوانب الاخرى في مختلف القطاعات الاخرى وخاصة الاقتصادية ، بجانب تعزيز الزيارات الرسمية بين المسئولين في مختلف المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لاحقا ، بالإضافة إلى توقيع العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات بين الجانبين في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والمصرفية والثقافية والرياضية وغيرها من الجوانب الأخرى ، في الوقت الذي شهدت فيه الجوانب الاجتماعية بين العائلات العُمانية والقطرية الكثير من التطورات الايجابية من خلال الزيارات واقتران العائلات فيما بينها والتي هي مستمرة حتى يومنا هذا.
فخلال العقود الخمسة الماضية حقق الطرفان التقارب الكبير ليس في تلك المجالات فحسب ، بل إنها شملت السياسات الاقتصادية والسياسية بين البلدين ، خاصة بعد تشكيل منظومة دول مجلس التعاون الخليجي عام 1981، ونتيجة للأحداث التي شهدتها المنطقة بعد ذلك ، وخاصة الأزمة الخليجية الأمر الذي أدى إلى التركيز على تعزيز التعاون في تلك المجالات بجانب تعزيز مجالات التجارة ، والاستثمار ، والسياحة وغيرها ، بالاضافة إلى سعي الطرفين إلى تعزيز التنسيق السياسي والاقتصادي ، خاصة في القضايا الإقليمية والدولية. وقد ظهر أثر ذلك على العلاقات الثنائية في مختلف المحافل والفعاليات الإقليمية والدولية.
واليوم تتواصل هذه العلاقات لتوطيدها وتجديدها مرة أخرى من خلال الزيارة الرسمية لصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الشقيقة لأخيه صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد المعظم ، الأمر الذي سيعود حتما بالنفع على شعبي البلدين بالخير والتقدم والنماء. فتبادل الزيارات الرسمية بين البلدين أصبح سمة بين المسؤولين العُمانيين والقطريين ، مما يعكس التزام البلدين بتعزيز التعاون الثنائي ، وتعزيز الشراكات الاقتصادية من خلال توقيع اتفاقيات جديدة في مجالات التجارة والاستثمار ، وزيادة حجم التبادل التجاري ، والتعاون في مجالات الثقافة والسياحة والطيران وتنظيم فعاليات مشتركة ، بجانب تعزيز التنسيق السياسي من خلال توحيد مواقف متشابهة في القضايا الإقليمية ، الأمر الذي يساهم في تعزيز الثقة والتعاون على الساحة السياسية.
كما أن التعاون الثقافي بين البلدين يشهد هو الآخر تطورات عدة ، ويُظهر تنوعاً وثراءً دراماتيكياً من خلال تنظيم الفعاليات الثقافية والمهرجانات والمعارض الفنية والندوات التي تسلط الضوء على التراث والفنون التقليدية والحياة الثقافية والمعمارية والموسيقية والحرف اليدوية بين البلدين ، فيما تعمل الجهات المعنية على تعزيز التبادل الطلابي وبرامج المشاركة في الفعاليات الأكاديمية ، الأمر الذي يسهم في تعزيز الفهم المتبادل والثقافة بين الشباب العُماني والقطري ، وتشجيع السياحة الثقافية من خلال الترويج للمعالم التاريخية والمناسبات الثقافية ما يعزز من التواصل بين المسؤولين الرسمين وشعبي البلدين.
العلاقات الاقتصادية -هي الأخرى- بين البلدين تنمو بصورة كبيرة ، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان ودولة قطر بنهاية 2023 إلى 1.113 مليار ريال عُماني (2.89 مليار دولار أمريكي) ، منها 284.7 مليون ريال عُماني (740 مليون دولار) عبارة عن قيمة الصادرات العُمانية إلى دولة قطر ، بينما بلغت قيمة الواردات العُمانية من قطر خلال نفس العام 828.6 مليون ريال عُماني (2.154 مليار دولار ، الأمر الذي يشير إلى أن حجم التجارة الخارجية في صالح دولة قطر وفق بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات ، فيما تأتي قطر ضمن الدول العشر الأولى التي تستثمر في سلطنة عُمان ، خاصة في مجال التصنيع والخدمات والسياحة.
تعزيز العلاقات العُمانية القطرية في المجالات الاستثمارية والتجارية مستمرة من خلال المنتديات والملتقات والمعارض بهدف إرساء شراكات اقتصادية جديدة تسهم في التنويع الاقتصادي في البلدين وتحقيق التنمية المستدامة ، وتطوير التعاون المشترك في قطاعات استراتيجية عديدة. واليوم نرى أن دولة قطر ومؤسساتها تركز على الاستثمار في عُمان في قطاعات حيوية منها قطاع الطاقة ، والفنادق ، والسياحة ، والنقل ، واللوجستيات، والعقارات ، في المقابل تعزز سلطنة عُمان لدعم استثمارتها في قطاعات قطرية نوعية عدة منها قطاع اللوجستيات والخدمات وغيرها ، الأمر الذي يتوقع منه فتح قنوات جديدة للتعاون بين الشركات والمؤسسات العامة والخاصة في البلدين خلال المرحلة المقبلة وتوقيع المزيد من الاتفاقيات المشتركة في إطار الزيارة الميمونة لسمو الأمير تميم إلى بلده الثاني سلطنة عُمان.