آراء

العشاء الأخير للغرب!

بقلم : د. صالح الفهدي

Advertisement

لم يكنْ مفاجئاً لأُوروبا ما فعلته فرنسا في حفل افتتاح أُولمبياد باريس 2024 ، الذي قدَّمت فيه العشاء الأخير للغرب حيثُ قضت فيه على ما تبقَّى من معتقدات مسيحية ، وقيم وآداب المجتمعات الأوروبية حيثُ جسَّد الشَّواذ والمتحوِّلون جنسيَّاً لوحة “العشاء الأخير” التي رسمها الفنَّان الإِيطالي ليوناردو دافينشي ، ورغم أن هناك من صُعقَ في الغربِ مما شاهده إلَّا أنه كان نتيجة لانحطاط القيم الإِنسانية في مجتمعاتهم ، حيث تقفُ الأنظمة السياسية داعمةً للشذوذ والتحوُّل الجنسي وجَعْلهِ حقَّاً مُلزماً ، بل وفَرضهِ على الأُسرةِ ، وتشريعِ القوانين الرادعة لمن يجابهه ، ويعارضه!!.

لم يكن مفاجئاً على أوروبا وأمريكا وهي تتناولُ عشاءها الأخير بأيدي متحوِّلين وشواذ جنسيَّاً في منظرٍ مقزِّز ، خارجٍ عن الفطرة الإِنسانية السَّوية ، لأنها ترسَّمت هذا الاتجاه الوضيع ، ودفعت مجتمعاتها إليه ، بل وأرادت فرضهُ عالمياً على دول لها قيمها السامية ، وآدابها السوية فرضاً خارجاً عن حدود السياسةِ والتهذيب والأدب.

Advertisement

لم يكن مفاجئاً على المسيحيين ما حدث في “العشاء الأخير” لباريس بعد أن منح بابا الفاتيكان البركات للأزواج المثليين ، وهو الذي كان يعدُّ العلاقات المثلية “خطيئة بشكل موضوعي”! الأمر الذي نسفَ ما تبقَّى من فضائلِ وإن كانت على صعيد الشعارات والأقاويل!!

لقد وضع المنظِّمون للحفل مكان “السيد المسيح” كما يُزعمُ في لوحة العشاء الأخير ، ممثلاً ظهرً عارياً في الافتتاح ، قِيل أنه يمثِّل شخصية إله الخمر والاحتفالات الماجنة في الأساطير الإغريقية القديمة “ديونيسوس” والذي عُرِف أيضا بمواكبه واحتفالاته وطقوسه الوثنية المتحررة من القيم الأخلاقية..!

يقول رئيس النواب الأمريكي مايك جونسون عن “العشاء الأخير” : “الاستهزاء من العشاء الأخير كان صادماً ومهيناً لجميع المسيحيين في جميع أنحاء العالم ، الذي شاهدوا حفل افتتاح الألعاب الأولمبية ، الحرب على عقيدتنا وقيمنا لا تعرف حدوداً اليوم ، لكننا نعلم أن الحقَّ والفضيلة سينتصران دائماً” ، كلامٌ جميلٌ خاصَّةً في جملتهِ الأخيرة ، وهذا ما سيحدثُ رغماً عمَّا يصدِّره الغرب من انحطاط ، لكن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يُحيط نفسه بمجموعةٍ من الشَّواذ والمتحولين جنسياً ، وألغى القوانين التي تحضر شذوذهم وتحوُّلهم ، وكان أحرى أن ينتقد توجُّه رئيسه.

أمَّا الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية فقد أصدرت بياناً مقتضباً خجولاً ، قالت فيه : “تضمَّن هذا الاحتفال -للأسف- مشاهدَ استهزاء وسخرية من المسيحية ، وهو ما نأسفُ لهُ بشدة” إذن فالموضوع لم يتعدَّ مستوى “الأسف” عند الكنيسة والأسف هو أضعفُ أنواع الاعتراضات والإِدانات!.

ما أعجبني في هذا الشأن مهاجمة المحامي الفرنسي فابريس ديفيزيو (Fabrice Di Vizio) لافتتاح أولمبياد باريس 2024 ، أقتطعُ منه فقراتٍ مهمَّة ، يقولُ فيها مُهاجماً :

“افعلوا ما شئتم مع أطفالكم ، ودعوهم يشاهدوا كل ما تريدون أن يشاهدوه ، ولكن اعتقوا أطفالنا بحقِّ السماء. بأي حق تفرضون أيديولوجياتكم على أطفالنا ، ومن تظنون أنفسكم. أذكركم بأنّ الآداب العامة هي جزءٌ لا يتجزأ من النظام العام” ويضيف متهكِّماً : “طبعاً نسمع هنا وهناك بأنّ حفل الافتتاح كان استثنائيا ، ولكن كلكم أصبحتم مجانين!. أنا لا يهمُّني إذا كان الحفل استثنائياً ، لكن ما يهمني هو أن لا تتمّ الإساءة طوال الوقت لمعتقدات الناس ، وكذلك الآداب العامة التي تخص الجميع. وفي لحظةٍ ما ، كنتم في احتفالٍ شيطانيّ ، باستخدام الإثارة الجنسية البغيضة ، ومع وجود أطفال يشاهدون هذه المقاطع” ثم يتساءل ساخطاً : “هل وصلنا لهذا الحد؟!

ويضيف مبادراً : “وبما أنه لا يوجد أحد يريد التحرك ضد هذه المواضيع المتعلقة بالآداب العامة والمتحولين وكل هذه الأمور ، فأنا سوف أتحرك. سوف أقوم بعمل اللازم لأنني سئمتُ من هذا الوضع. وأنا شخصياً لديّ أبناء كبار ومحصنين من كل هذا ، وسوف يقومون بالاختيارات التي يرغبون فيها ، فهذه يخصهم ، ولكنني سئمت لأنه يتوجب علينا في كل مرة الخضوع لهذا الهجوم الدائم” ثم يذكِّرُ بفضائل الإِسلام فيقول : “علماً بأن المغرب مثلاً اعتبرت بأن كل هذه المشاهد تشكّل تهديداً خطيراً للآداب العامة ، فقامت بقطع جزءٍ من هذه المشاهد. اسمحوا لي ، ولكن هذه المرة أيضاً يقوم الإسلام بتذكيرنا بأنّ للأخلاق العامة معاني كبيرة” ، ويوجِّه نداؤه إلى المسيحيين والأساقفة : “إخوتي المسيحيين ، أين أنتم؟ يا أُسقفُ فرنسا ، أين أنت؟ هل بإمكانك الخروج لدقيقتين من كاثدرائيتك؟ هل بإمكانك الخروج لدقيقتين من امتيازاتك الني تتمتع بها؟ أيها السادة القساوسة ، هل بإمكانكم الخروج لدقيقتين لتقولوا بأنه لا يمكن الاستمرار هكذا طوال الوقت؟!” ثم يرفع صوته عالياً وهو ينبِّه : “إنّ الآداب العامة جزءٌ من النظام العام.

وقد تمّت الإساءة هذه الليلة للأخلاق العامة. وما هي الخطوة التالية لهؤلاء؟! اصحوا أيها الناس. اصحوا جميعكم. إن الذي حصل هذا المساء غير مقبول لي كمسيحي ، وأتحمل المسئولية كاملةً ، وسوف أستمر حتى نهاية المطاف فيما يتعلق بالإجراءات القانونية ، مع الذين يرغبون في القيام بهذه الإجراءات. ولكنني حربّ أسرة وكمواطن أرفض تماماً وبشكلٍ قاطع أن يكون أطفالنا ضحيةً بهذا الشكل لأيديولوجية شيطانية ، يحب التوقف ، فهذا يكفي”.

خلاصةُ القول أن العشاء الأخير للغرب الذي قدَّمته فرنسا إما أن يكون سامَّا فيقضي على ما تبقَّى من قيم وآداب ومعتقدات المجتمع الغربي ، وإما أن تعقبه صحوة الضمائر التي انتبهت إلى الحد الذي وصله الغرب من الانحطاطِ والخساسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى