الشرع: القيادة بين مغريات الأيديولوجية والاستحقاقات الوطنية

بقلم : د. ليلى الهمامي
بصرف النظر عن التحفّظات التي أحاطت بصورة الرئيس السوري أحمد الشرع والمآخذ المُرتبطة بمسيرته — وهي ملاحظات مفهومة إذا نظرنا إلى السياق والظروف — ثمة حقيقة لا غبار عليها: تابعت الرجل منذ دخوله دمشق بعد سقوط النظام، وبدا لي منذ الوهلة الأولى شخصًا يمتلك إمكانات حقيقية لأداء دور فاعل في بناء سوريا جديدة.
أحمد الشرع شاب في مقتبل العمر، يتمتع بفصاحة الخطاب وعمق التحليل. يلفت الانتباه لحساسيّة الإشارات والضمنيات، ويحمل قوله ما يقابله من معانٍ، ويجيد فنون التضمين والبلاغة. كما أنه ملمٌّ بقواعد وأساليب الاتصال السياسي، ما يجعله قادراً على النفاذ إلى وعي جمهور واسع وإثارة الاهتمام والرأي.
ورغم هذه المزايَا، يظل النجاح رهين تحقيق شرطين أساسيين. الشرط الأول أن يغادر التعصب الأيديولوجي؛ ذلك التعصّب الذي كان مقبولاً في مرحلة المقاومة والمواجهة، لكنه اليوم قد يصبح عقبة كبيرة أمام دوره كرئيس لدولة ينبغي أن تضمّ الجميع. وإعادة رسم معالم الموقف من الأيديولوجيا التي لا تعني إنكار الماضِي، بل ضبطه بما يتناسب مع مسؤولية الوحدة الوطنية والمصلحة العامة.
الشرط الثاني أن يتحول فعلاً إلى رئيسٍ لكل السوريين — بلا استثناء: جميع الألوان، والاثنيات، والطوائف. أن يكون ترجمةً حقيقية لإرادة جامعة وموحِّدة. فلو ظل الشرع في صورته السابقة، فالمحصلة ستكون أنه رئيس جزء من سوريا لا كلّها، وفي هذه الحال تصبح شخصيته وغطاؤه السياسي عرضة للاستهداف والانقسام. لذا لا مفرّ من أن يختار طريق الاستحقاقات الوطنية الراهنة إن أراد أن يبقى رئيسًا للجميع.
ولا ننسى أن خلفية الرجل معروفة: نعلم من أين جاء، وما حمله من تجارب ومسارات. والمسارات النقية، كما نقول مجازًا، ليست من نصيب البشر وحدهم؛ فهي تبقى مثالية في عالم الملائكة. لذلك على الشرع أن يختار من المسارات المتاحة أفضلها عمليًا وسياسيًا، بما يخدم المصالح العليا للوطن ويُبقي الباب مفتوحًا أمام كل السوريين للمشاركة في المستقبل.
في النهاية، الفرصة أمامه ليست بسيطة لكنها ممكنة: إن اختار ضبط ماضيه الأيديولوجي وتبنّى نهجًا جامعًا يضع مصلحة الوطن فوق كلّ اعتبار جزئي، فربما تشرق أمام سوريا صفحة جديدة من المصالحة والبناء. وإلا فستبقى قيادته محدودة في نطاق، ومصيره رهين تفتت المشهد السياسي والاجتماعي.
