الشراكات البحرية كركيزة للأمن الساحلي: كيف تعزز عُمان استقرارها البحري؟

بقلم: أحمد تركي
تمتلك سلطنة عُمان سواحل تمتد على طول 3175 كم، ما يمنحها أهمية استراتيجية كبرى في المنطقة. ووفقًا للقانون الدولي، تمتد المنطقة الاقتصادية الخالصة لعُمان حتى 200 ميل بحري، مما يستدعي تعزيز آليات الأمن البحري لضمان سلامة الملاحة وحماية التجارة البحرية. ومع ازدياد المخاطر البحرية، بات لزامًا على السلطنة اعتماد استراتيجيات أمنية حديثة ترتكز على الشراكات الإقليمية والدولية لضمان أمن ممراتها البحرية الحيوية.
الشراكات البحرية وأهمية التعاون الإقليمي
تتبنى سلطنة عُمان نهجًا قائمًا على التعاون الإقليمي والدولي لتعزيز أمن الملاحة البحرية. ويؤكد المؤتمر الثامن للمحيط الهندي، الذي استضافته السلطنة، على دور المحيط الهندي كجسر للتواصل الاقتصادي وليس مجرد مساحة مائية تفصل الدول. ومع مرور ما يزيد عن 70% من التجارة العالمية عبر هذا المحيط، يصبح تعزيز التعاون الإقليمي أمرًا ضروريًا لضمان التدفق التجاري الآمن والمستدام.
وتعتمد عُمان في نهجها الأمني على الحوار والتعاون والاحترام المتبادل بعيدًا عن النزاعات والتدخلات الأحادية، مما يعزز دورها كفاعل رئيسي في استقرار المنطقة. وتشارك السلطنة بفعالية في الجهود الجماعية لحماية الممرات البحرية من التهديدات المحتملة.
التحديات الأمنية في المحيط الهندي
رغم الأهمية الاستراتيجية للمحيط الهندي، فإنه يواجه تحديات أمنية كبيرة، تشمل:
القرصنة والإرهاب البحري: تؤثر هجمات القراصنة والأنشطة الإرهابية البحرية سلبًا على سلامة السفن التجارية.
الجريمة العابرة للحدود والصيد الجائر: تؤدي هذه الجرائم إلى استنزاف الموارد البحرية وتعريض الاقتصاديات الساحلية للخطر.
الاتجار بالبشر والتغيرات المناخية: تساهم الظواهر المناخية المتطرفة في زعزعة الاستقرار البحري، ما يؤثر على الدول المطلة على المحيط الهندي.
وترى الرؤية العُمانية أن مواجهة هذه التحديات تتطلب تعاونًا دوليًا حقيقيًا، وهو ما شدد عليه المؤتمر، حيث يُمكن عبر الشراكات البحرية الحد من المخاطر وتعزيز الأمن البحري العالمي.
مجلس الأمن الوطني العُماني ودوره في تعزيز الأمن الساحلي
نتيجةً لتعرض المياه العُمانية لتهديدات القرصنة البحرية والتهديدات الأمنية الأخرى، كثّفت السلطنة جهودها لتعزيز كفاءة أمنها الساحلي. ويقود مجلس الأمن الوطني العُماني هذه الجهود، بالتنسيق مع القوات البحرية وشرطة خفر السواحل العُمانية. وتتمثل أولويات السلطنة في:
مراقبة السواحل الإقليمية: تتولى القوات البحرية مسؤولية حماية المنطقة الاقتصادية الخالصة، بينما تُشرف شرطة خفر السواحل على المياه الإقليمية.
تعزيز مركز الأمن البحري في مسقط: يتم الاعتماد على تقنيات حديثة مثل:
طائرات الدوريات البحرية CASA C295 لمراقبة السفن.
تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الحلفاء والقوات البحرية المشتركة.
أنظمة التعريف الآلي (AIS) لتحديد السفن التجارية.
تعزيز سرعة الاستجابة للطوارئ: تم رفع عدد الزوارق السريعة لتعزيز سرعة التدخل في حالات الطوارئ، مما يزيد من كفاءة حماية المياه الإقليمية العُمانية وتأمين خطوط الملاحة الحيوية.
التكنولوجيا والاقتصاد الأزرق في تعزيز الأمن البحري
تعتمد سلطنة عُمان على اتفاقية قانون البحار لضمان حرية الملاحة وحماية المصالح الاقتصادية، ولكن التطبيق الفعلي لهذه القوانين يتطلب توافقًا سياسيًا وإرادة جماعية لتعزيز الحوكمة البحرية.
وتُولي عُمان اهتمامًا خاصًا بمفهوم “الاقتصاد الأزرق”، الذي يهدف إلى استغلال الموارد البحرية بشكل مستدام، عبر:
استخدام تقنيات حديثة لإدارة الموانئ: مثل أنظمة الموانئ الذكية التي تعزز الكفاءة التشغيلية.
تعزيز كفاءة سلاسل الإمداد البحرية: من خلال تحسين البنية التحتية للنقل البحري.
تبني مفهوم “الموانئ الخضراء”: بالاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والتقنيات الصديقة للبيئة.
عُمان كنموذج للتكامل الإقليمي والدولي
تسعى سلطنة عُمان إلى تعزيز علاقاتها مع دول المحيط الهندي لإنشاء بيئة اقتصادية إقليمية مزدهرة، مستندةً إلى تاريخها كمركز تجاري عالمي يمتد لآلاف السنين. وقد أكدت السلطنة خلال المؤتمر على أهمية:
مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية من خلال التكامل التجاري.
تعزيز التعاون بين دول الجنوب لتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية.
زيادة الاستثمارات الجماعية في قطاعات الطاقة المتجددة، والخدمات اللوجستية، والتكنولوجيا البحرية.
خاتمة: نحو تعاون إقليمي لتعزيز الأمن البحري
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه التجارة البحرية، تؤكد الرؤية العُمانية على ضرورة تعزيز التعاون بين دول المحيط الهندي لتشكيل تحالف تجاري قوي يُسهم في:
تحقيق الأمن البحري والاستقرار الإقليمي.
تعزيز التجارة الدولية والتنمية المستدامة.
حماية الاقتصاد العالمي الحر وتعزيز العمل الأمني المشترك.
ومن خلال هذه الاستراتيجية، تسعى سلطنة عُمان إلى أن تكون نموذجًا يُحتذى به في تعزيز التكامل الاقتصادي والأمني البحري في المنطقة، مما يساهم في تحقيق مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لدول المحيط الهندي.
أحمد تركي – خبير الشؤون العربية