آراء

السياحة النضالية في تونس : بين المهرجانات والترويج للقضية الفلسطينية

بقلم : د. ليلى الهمامي

Advertisement

تشهد هذه الأيام مشاهد جديدة من النضال اليساري في تونس، نضال يبدو أحيانًا وكأنه مزيج من الإبداع والسياحة، سياحة تتوسط بين الظفرين النضالي والترويحي، وتتنقل بين بلدان عدة تحت مسمى “قوافل كسر الحصار”.

القضية الفلسطينية قضية نبيلة، وآلامها جسيمة؛ شعب يُقتَل ويُذبح يوميًا، ومع ذلك، يبدو أن بعض شبابنا اتخذوا من هذه المأساة الإنسانية غطاءً لممارسة ما يمكن وصفه بـ”الترحال الفلكلوري”؛ ترحال يتخلله مبالغات، رقص، شطح، عروض مسرحية هواة، وهستيريا خطابية توحي بأهمية الحدث دون إتقان الدور المطلوب. يُعطَى للمشارك شعورٌ بأن المنازلة على الأرض قريبة، بينما الحقيقة أن الأمر لا يتعدى رحلة ترفيهية، اكتشافًا لذات الشباب الأوروبي وشباب بلدان أخرى، وانجذابًا يجمع بين الفضول، التواصل الروحي والجسماني، وربما المتعة الشخصية.

Advertisement

ولا يمكن إنكار أن هذه النشاطات تتناغم مع فصل الصيف، فصل المهرجانات والفولكلور، وهو ما يجعل هذه “القوافل النضالية” أكثر جاذبية، مليئة بالمثيرات، مع نهايات تزيّنها “شهادات نضال” و”شهادات صمود” في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

لكن الحقيقة الجوهرية التي أود الإشارة إليها أن هذه المظاهر لا تُقارن بالمهام النضالية الحقيقية. الهجرة والنشاط السياسي يمكن أن تتخذ أشكالًا نضالية حقيقية، ولكن تلك الرحلات غالبًا ما تتجنب هذه المهام، مفضلةً الترويح عن النفس، واستعراض الطاقات الشخصية، والانخراط في أجواء كرنفالية، على حساب قضية بالفعل موجعة ومأساوية، قضية إنسانية لا يمكن الوقوف أمامها موقف اللامبالاة.

المشكلة لا تكمن في نقد الأنظمة العربية وحدها، فمعروف حدودها وإمكاناتها. لكن ماذا عن الشعوب؟ ماذا عن الشارع؟ وماذا عن المعارضات المفترض أن تكون ملتحمة بالشارع، صانعة وعي شعبي مضاد للإيديولوجيا الرسمية؟ الضغط الحقيقي يتحقق عبر تحريك الشارع بالاحتجاجات اليومية، كما نشهد في أهم العواصم الغربية وأمريكا اللاتينية، حيث خرج مئات الآلاف إلى الشوارع بالفعل. في المقابل، الشارع العربي يغفو، ومعارضاتنا تكرر نفس الأسطوانة بلا جديد.

ما نراه اليوم هو أن هذه “الأساطيل السياحية المناضلة” تتهرب من المهام الحقيقية، وتركّز على الترفيه والكرنفالات، أحيانًا تحت شعار الدفاع عن قضية فلسطينية موجعة، لكن الواقع يفضح غياب الالتزام، وانحراف الهدف نحو مصالح شخصية وتجارب ترفيهية واجتماعية، قد تصل إلى حدود الانجذاب الجنسي أو الاستعراض الشخصي.

هذه الحقيقة يجب أن تُقال بصراحة: هناك من استغل القضية الفلسطينية للتسويق الذاتي والتباهي بالنشاط النضالي، ليصبح في بعض الحالات تجارة بالدماء، ونسخًا جديدة لتجار القضية الذين عرفناهم عبر التاريخ.

في النهاية، القضية الفلسطينية تظل نبيلة، وآلام الشعب الفلسطيني جسيمة، لكن النضال الحقيقي يحتاج إلى عمق والتزام، وليس مجرد “سياحة نضالية” تتخفى وراء شعارات ومهرجانات صيفية.

 

النضالية
د. ليلى الهمامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى