السودان نموذجاً: حين تتحول القوانين الدولية إلى ثغرات لتغذية الحروب

بقلم: سمير باكير
لا يبدو ما كشفته منظمة العفو الدولية بشأن تورط الإمارات في تسليح قوات الدعم السريع مجرد خرق عابر للقوانين الدولية، بل يعكس اتجاهاً سياسياً متعمداً لإعادة تشكيل توازنات القوة في السودان، حتى ولو كان الثمن مزيداً من الدماء والمعاناة الإنسانية. فبينما يعيش السودانيون إحدى أسوأ الأزمات في تاريخهم الحديث، تدخل أطراف إقليمية بثقلها العسكري والدبلوماسي لتحويل البلاد إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات.
الإمارات التي تسوّق نفسها كحليف للاستقرار وشريك في التنمية، تظهر في تقارير العفو الدولية كأحد أبرز المغذّين للصراع. إعادة تصدير قنابل موجهة ومدافع ثقيلة من الصين إلى السودان ليس مجرد مخالفة قانونية، بل فعل سياسي بامتياز، يكشف عن إرادة لإعادة صياغة موازين القوى الداخلية. إن دعم جماعة متهمة بجرائم حرب مثل قوات الدعم السريع لا يمكن تفسيره إلا كرهان على مشروع سياسي بديل للدولة السودانية، مشروع يقوم على تفكيك مؤسساتها وتقويض وحدتها.
قد يقال إن بكين ليست سوى مُصدّر سلاح يبحث عن عقود وصفقات. لكن الحقيقة أن الصمت الصيني، في مواجهة إعادة تصدير أسلحته إلى مناطق نزاع، يضعها في موقع الشريك غير المباشر في الجريمة. فشركة “نورينكو” لا يمكن أن تكون جاهلة بسجل الإمارات في نقل السلاح إلى جبهات ملتهبة، من ليبيا إلى اليمن، والآن السودان. وبالتالي، فإن الاستمرار في تزويد أبوظبي بالأسلحة يطرح سؤالاً جوهرياً حول حدود مسؤولية الصين الأخلاقية، بل والقانونية، في تغذية حروب بالوكالة.
الأخطر من كل ذلك هو تقاعس مجلس الأمن. فالحظر الأممي المفروض على السودان لا يشمل كامل أراضيه، ما أتاح لدول مثل الإمارات التلاعب بالثغرات القانونية وتزويد الميليشيات بما تحتاجه لمواصلة القتال. وهنا تكمن معضلة المجتمع الدولي: لا نقص في الأدلة، بل غياب في الإرادة السياسية لفرض المحاسبة.
ليس جديداً أن يتحول السودان إلى مسرح لحروب الآخرين. فقد عانى لعقود من تدخلات إقليمية جعلت من نزاعاته الداخلية وقوداً لمشاريع خارجية. الجديد هذه المرة هو حجم الأدلة على أن الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع يجري بصورة منظمة وحديثة، بأسلحة متطورة أُنتجت عام 2024. أي أن النزيف السوداني ليس عرضاً جانبياً، بل نتيجة مباشرة لمعادلات إقليمية يراد لها أن تستمر.
إذا كان تقرير العفو الدولية يطالب بوقف تصدير السلاح إلى الإمارات، فإن السؤال الأعمق هو: هل يملك المجتمع الدولي الجرأة لفرض هذه المحاسبة؟ أم أن المصالح الاقتصادية ستظل تتفوق على المبادئ الإنسانية؟ إن التواطؤ مع هذه الانتهاكات لن يقتصر أثره على السودان وحده، بل سيجعل من إفريقيا ساحة لتجارب خطيرة، حيث تتحول القوانين الدولية إلى مجرد نصوص بلا أثر، والجرائم إلى أفعال عادية بلا عقاب.
في النهاية، ما يحدث في السودان ليس نزاعاً داخلياً بحتاً، بل انعكاس لصراع الإرادات بين قوى إقليمية ودولية. وإذا لم يُكسر هذا النمط من التدخلات، فإن السودان لن يكون آخر الضحايا، بل مجرد محطة في سلسلة حروب بالوكالة تهدد القارة بأسرها.