آراء

الرقمنة وتأثيراتها على البيئة

بقلم : د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي

Advertisement

تُواكب الدول التطورات التي يشهدها العالم في التحول الرقمي في مختلف مؤسساتها من أجل دفع النمو الاقتصادي لديها وتوفير فرص للعمل في هذا القطاع الحيوي وغيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى.

وتأتي سلطنة عُمان ضمن هذه الدول التي تعمل مؤسساتها بإدخال المزيد من التقنيات في الأعمال اليومية والاعتماد على التقنيات الحديثة في عالم معرفي وتقني يعمل من خلال المنصات والتطبيقات الرقمية التي تشمل مُعظم شؤون الحياة ، والكثير من المعلومات والخدمات التي يحتاج إليها المرء في الحياة.

Advertisement

ورغم أهمية هذه التقينات والتطورات في عالم التحول الرقمي ، وحثّ المنظمات الدولية على ضرورة العمل بالرقمنة ، إلا أنها تتحدث أيضًا عن التداعيات التي يخلفها التحول الرقمي على الحياة البيئية من خلال استخدام الأجهزة ومستلزماتها الضرورية من المخلفات الإلكترونية الداخلة بها.

وقد نبهت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” مؤخرًا إلى تلك التداعيات التي تفرزها الحياة الرقمية على المؤسسات والأفراد والحياة بشكل عام؛ حيث يشير تقرير المنظمة الأخير لعام 2024 إلى أنَّ البلدان النامية تتحمل هذه التأثيرات البيئية الناجمة عن القطاع الرقمي العالمي ، وكذلك العبء غير المتناسب الذي تتحمله بسبب استخدامها لتلك التقنيات ، مشددةً على أن هذه الدول لديها القدرة على الاستفادة من التحول الرقمي لتعزيز التنمية.

والتحول الرقمي في الاقتصاد العُماني بارزٌ في عدة مؤسسات حكومية ، إلّا أن العمل الورقي ما زال ساريًا ومطلوبًا من العملاء والمُراجعين في عدة مؤسسات تعمل على تقديم الخدمات للمواطنين. وتستمر الحكومة في مجال العمل بخطط التحول الرقمي ، وتمتلك العديد من المنصات والتطبيقات الرقمية للتسهيل في تقديم الخدمات وإنجاز الاعمال في عدة أمور تتعلق بقضايا المرور والأحوال المدنية ، والتأشيرات الإلكترونية ، والبوابة التعليمية ، والمنصة الوطنية الموحدة للتشغيل ، ونظام الحج الإلكتروني وغيرها من الخدمات في مجال الاسكان والصحة والتعليم والمواصلات والأمور المصرفية والمالية ، بالإضافة إلى خدمات البيع والشراء عبر المراكز والمحلات التجارية الكبيرة والصغيرة.

وفي كل عام تحقق السلطنة مستويات جديدة في رقمنة القطاعات الخدمية من خلال تبنيها لاستراتيجية عُمان الرقمية التي تهدف إلى تفعيل تقنية المعلومات والاتصالات في مختلف الخدمات الحكومية والخاصة من أجل إثراء قطاع الأعمال ، والعمل على بناء صناعات تعتمد على المعرفة التي توفر جميعها فرص عمل جديدة ومتنوعة للمواطنين.

ولتحقيق المزيد منها فقد اعتمدت الحكومة العُمانية مخصصات كبيرة لدعم تنفيذ برنامج التحول الرقمي الحكومي خلال العامين الماضين 2023 و2024 وتم رصد حوالي 55 مليون ريال في الميزانية العامة للدولة للعام الحالي ، فيما تتوقع الخطة التنفيذية لبرنامج التحول الرقمي الحكومي خلال فترة تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة (2021- 2025) أن يصل حجم استثمارات تنفيذ البرامج في هذا القطاع إلى حوالي 170 مليون ريال عُماني من أجل تحسين الإجراءات ، وإعادة هندسة الخدمات الحكومية وتقنياتها بالإضافة إلى تحسين البنية الأساسية الرقمية ، وتمكين الكفاءات الوطنية العاملة في هذه القطاعات من خلال التعليم والتأهيل والتدريب للمهارات الجديدة في تلك المجالات.

إن المؤسسات المعنية مستمرة في إيجاد قنوات وأدوات تُحقق الاستفادة المثلى من المتغيرات التقنية المتسارعة ، بجانب دعم الابتكارات والإنتاجية ، وتعزيز القدرات الوطنية ورفع حجم الاستثمارات النوعية ذات القيمة المضافة للاقتصاد العُماني. ومع كل هذه التطورات ترتفع مستويات مؤشر الخدمات الحكومية الإلكترونية ومؤشر الأعمال والابتكار الرقمي ، فيما تستهدف الرؤية المستقبلية “عُمان 2040” رفع تصنيف سلطنة عُمان لتحل بين أفضل 20 دولة عالميا في مجال تطوير الخدمات الإلكترونية.

لكن في جميع الحالات تبقى هناك تأثيرات سلبية لهذه التقنيات في العديد من الدول النامية ، الأمر الذي يتطلب تعظيم الفرصة لديها للاستفادة من المواد الخام المستخدمة في هذه التقنيات الرقمية على أراضيها من خلال المعالجة والتصنيع المحلي لتعزيز إيراداتها المالية من جهة وتأمين حصة أكبر من الاقتصاد الرقمي العالمي وخلق فرص العمل ، ورفع مستويات المعيشة لمواطنيها من جهة أخرى. فقد أصبح فهم ارتباط هذه التقنيات واضحة للعيان ، وبشكل متزايد ، الأمر الذي يتطلب العمل للاستدامة البيئية مع الاستمرار بالاستعانة بتلك التقنيات وأدواتها المتعددة ، وفهم  الحكومات وقادة الصناعة والمجتمع المدني بضرورة تحقيق التنمية الرقمية المستدامة والشاملة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى