آراء

الذهب الأبيض لعُمان : بين الإرث والتحدي في بناء علامة تجارية عالمية

بقلم: معمر اليافعي

Advertisement

في جبال ظفار، حيث تهمس الرياح بين الأشجار العتيقة، يعطر عبير اللبان الأجواء بعبق الزمن، حاملاً في طياته إرثًا حضاريًا يتجاوز حدود الوطن. هذا “الذهب الأبيض” العُماني، الذي حملته قوافل التاريخ إلى أصقاع الأرض، هو أكثر من مجرد منتج؛ إنه ذاكرة وحكاية تُروى عبر الأجيال.

ومع ذلك، يطرح السؤال نفسه اليوم: لماذا لم يتحول اللبان العُماني إلى علامة تجارية عالمية رغم تفرده وتميزه؟ لدينا المكونات الأصيلة والتاريخ العريق، ولكننا لا نمتلك بعد رؤية واضحة تمكننا من بناء هوية اقتصادية متكاملة. اللبان لا يزال يُصدَّر كسلعة خام، بلا أن يُصاغ في صورة منتج يحمل قصة وهوية تُعبّر عن روح عُمان.

Advertisement

تصدير اللبان يعني إرسال جزء من نسيجنا الحضاري وثقافتنا العميقة، لكنه للأسف يبقى منتجًا يُباع ببساطة، لا كتجربة ثقافية ولا كرائحة وطنية مميزة. الخلل يكمن في افتقادنا للجرأة في تحويل هذا الإرث إلى مشروع تجاري متكامل؛ مشروع يُقدم اللبان في صورة منتجات فاخرة، كخطوط عطور متجددة تحمل أسماء مستوحاة من جبال ووديان عمان.

الذهب

في العديد من الدول، تحوّلت مكونات طبيعية إلى علامات تجارية عالمية ناجحة، ليس لأن منتجاتها أفضل، بل لأنهم نجحوا في وضعها ضمن استراتيجيات اقتصادية وتسويقية ذكية. فاللافندر في فرنسا لم يعد مجرد نبتة، بل صناعة كاملة. وزيت الأركان في المغرب أصبح رمزًا للفخامة. والقهوة التركية باتت جزءًا من الهوية الوطنية المعروفة عالميًا. لماذا لا نُطبّق نفس النهج مع اللبان العُماني؟

لماذا لا نعبئ اللبان في عبوات أنيقة تحترم أصالته؟ لماذا لا نؤسس شركة وطنية متخصصة تُسوّق اللبان عالميًا تحت شعار “الذهب الأبيض لعُمان”؟ لماذا لا نجعل “اللبان العُماني” علامة تجارية مسجلة قانونيًا ومرموقة عالميًا، تدمج بين التراث والابتكار؟

نحن بحاجة إلى رؤية واضحة، رؤية تدمج بين التاريخ والاقتصاد، بين الهوية والصناعة، بين الذاكرة والتمويل. اللبان لا يحتاج إلى إعادة تعريف ثقافي فقط، بل إلى عقد اقتصادي جديد يربط بين الأرض التي تنبته والأسواق العالمية التي تبحث عن معنى في كل رائحة.

الذهب

إنها دعوة لحراك وطني يضع اللبان على سلم الأولويات الاستراتيجية، ويصنع له خطة تسويقية مشتركة بين القطاعين الحكومي والخاص، تحول تصديره من مادة خام إلى تجربة متكاملة تحمل قيمة وذاكرة.

صناعة اللبان ليست رفاهية، بل ضرورة اقتصادية ووطنية. عندما يصبح اللبان علامة عالمية، فإن عُمان كلها تقترب أكثر من العالم، وتتبوأ مكانتها في الأسواق وذاكرة الناس.

لدينا الذهب الأبيض، لكننا ما زلنا نتعامل معه كما لو أنه تراب. وحان الوقت لنمنحه مكانته الحقيقية ليس فقط في الأسواق، بل في خيال وقلوب الناس.

إذا لم نعدّ تعريف ما نملك، سنخسره. وإذا لم نمنح تراثنا قيمة اقتصادية، فلا نلوم الزمن حين يسرقه منا.

الهوية التي لا تُصدّر… سرعان ما تُنسى.

والذهب، إن لم يُصغ بعقل وفن، يصبح غبارًا في مهب الريح.

من فلسفة “ثروان”

صوتٌ من الداخل… ينحت الكلمات كما تُنحت الذات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى