الحماية الاجتماعية تعزّز رفاهية المواطنين
بقلم : د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي
ظنَّ بعض المواطنين أنَّ الجهات المعنية ربما تتأخر في تحويل المبالغ التي تم تخصيصها من أجل الحماية الاجتماعية إلى حساباتهم ، أو أنها قد تتجاوز الموعد المحدد وهو الثامن عشر من شهر يناير الجاري ، فقد كثر الحديث والنقاش عن الموضوع قبل تحويل هذه المبالغ إلى حسابات المواطنين؛ حيث كان يرى البعض صعوبة تصديق هذا الأمر؛ أي تخصيص مبالغ جديدة لكبار السن والأطفال والمعوقين وغيرها من الفئات الاجتماعية الأخرى المحتاجة ، في الوقت الذي أوقفت فيه الحكومة بناء الكثير من مشاريع البنية الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد ، وتوجهّت بإصدار اللوائح والقرارات بضرورة وقف الإنفاق المالي غير المنضبط في المؤسسات الحكومية ، والعمل وفق خطة التوازن المالي ، والتوجه نحو تسديد الدين العام ودفع الفوائد المترتبة عليه ، ودمج بعض المؤسسات الحكومية ، والتقليل من المشاركات الخارجية في المؤتمرات والمعارض والندوات ، وإلغاء الملحقيات الثقافية والإعلامية في بعض الدول ، واتخاذها العديد من الإجراءات الأخرى لوقف أي هدر مالي محتمل في الكثير من البنود المالية الحكومية.
أدى هذا الأمر إلى نتائج سلبية ببعض المؤسسات والشركات ورواد الأعمال ، وإلى الحدّ من الحركة الشرائية لدى المواطنين ، وتضررتْ المؤسسات ، وزادت عمليات تسريح العمالة ، في الوقت الذي شهدت فيه البلاد قرارات أدت إلى رفع وتيرة الرسوم والضرائب في عدد من البنود الاستهلاكية على المواطنين كفواتير الكهرباء والمياه والوقود ، وزادت من مخالفات وقوف البلديات والسرعة وغيرها من الرسوم الأخرى لمؤسسات العمل والشرطة؛ الأمر الذي جعل أمر تصديق قرار تخصيص مبالغ الحماية الاجتماعية للمواطنين مستحيلًا ومثل الإشاعة.
غير أنَّ وصول الرسائل النصية للمواطنين بدخول المبالغ المخصصة لهم في حساباتهم في مختلف البنوك والمصارف ، بدّد جميع تلك الأفكار ، وخاصة لدى فئة المتقاعدين الذين يؤكدون اليوم أن هذه المبالغ ستعود عليهم بالكثير من المنافع العائلية والشخصية ، خاصة وأن قيمة المبلغ تصل إلى 115 ريالًا عمانيًا؛ أي بواقع 298 دولارًا أمريكيًا. وهو مبلغ شهري لا يجب الاستهانة به؛ بل يرى البعض أن هذا المبلغ يمكنّهم اليوم من سد قيمة بعض الالتزامات المستعجلة لهم في الحياة.
هذه المبالغ المُخصّصة للفئات الاجتماعية تشكّل اليوم قاعدة جيدة للتوفير والادخار والرفاهية أيضًا خاصة لدى الأطفال؛ حيث إن كل طفل يبلغ عمره أقل من 18 عامًا سوف يستلم 10 ريالات عُمانية شهريًا ، وبواقع 120 ريالًا في السنة. وفي حال وجود عدة أطفال في نفس المنزل سوف تتضاعف هذه المبالغ لديهم ، والتي يمكن أن تُكوّنُ رصيدًا ماليًا لهم في حال توجههم نحو الدارسة بالخارج مستقبلًا. كما إن جميع تلك المبالغ لدى المتقاعدين والأطفال والنساء والأيتام والأرامل تشكّل رصيدًا ماليًا كبيرًا إذا تم استثمارها في الإيداعات المصرفية؛ الأمر الذي سوف يُساعد المؤسسات المصرفية للاستفادة منها في تقديم التسهيلات للمؤسسات وتوسيع الأعمال التجارية في البلاد ، والاعتماد عليها في عمليات الاقتراض الداخلي؛ باعتبار أن قيمة جميع تلك المبالغ سوف تصل في حدود 400 مليون ريال عُماني سنويًا؛ أي بواقع 1.04 مليار دولار أمريكي. وفي كل عام سوف تزداد هذه المبالغ مع زيادة عدد المواليد في البلاد ، خاصة وأن عدد متوسط مواليد الأسرة العُمانية لا تقل عن 4 أطفال أن لم يزد عن ذلك.
لقد أنشأت الحكومة صندوق الحماية الاجتماعية وهو بمثابة مؤسسة رسمية مسؤولة عن كافة المبادرات وبرامج الحماية الاجتماعية في البلاد ، ومنحته استقلالًا إداريًا وماليًا بموجب المرسوم السلطاني رقم (33/ 2021) والذي أعطى له مهمة تطبيق أحكام قانون الحماية الاجتماعية والتشريعات ذات الصلة بها ، مع تمكينه من التعاون مع كافة الجهات المختصة ببرامج الحماية والتمكين والإدماج والرعاية والدعم؛ كي يتمكن من إيصال برامجه ومساعداته إلى جميع الفئات المستهدفة.
إنَّ نجاح صندوق الحماية الاجتماعية في توصيل البنود المالية للمواطنين في الوقت المحدد لهو مؤشر يؤكد التزام الدولة بإيصال هذه المنفعة لجميع أبنائها بغض النظر إن كانوا فقراء أو أغنياء؛ الأمر الذي أدى بهم للتوجه بالشكر والعرفان لمُجدّد النهضة العُمانية حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والحكومة الرشيدة ، وتثمين هذه الخطوات التي ترمي إلى تعزيز منظومة الاستقرار الأسري والاجتماعي في البلاد ، وإعطائهم الشعور بالطمأنينة والأمان المادي والأسري والنفسي ، ومنحهم رؤية جديدة وناجحة للحياة المستقبلية. وأخيرًا فإن مبالغ الحماية الاجتماعية ستعمل بلا شك على تعزيز الحركة التجارية في البلاد بعد معاناة كبيرة واجهها البعض وأصحاب المؤسسات التجارية منذ تعرضهم لوباء “كوفيد-19” وحتى اليوم؛ فقد أدى التراجع إلى تأثر قطاعات التجارة والسياحة والعقار وغيرها بصورة كبيرة ونتج عن ذلك سرح بعض المواطنين الذين أصبحوا يبحثون عن وسائل الاستقرار الاجتماعي مرة أخرى.