آراء

الحرب التي أبطلت مفعول التهديد .. إيران تفرض معادلة جديدة

بقلم: سمير باكير

Advertisement

في مشهد استثنائي من التصعيد غير المسبوق، شهدت المنطقة واحدة من أكثر المواجهات حساسية في تاريخ الصراع بين الجمهورية الإسلامية والكيان الإسرائيلي. فقد شكّل الهجوم الجوي الأخير على إيران منعطفًا استراتيجيًا كسر مفعول التهديد بالحرب، الذي لطالما استُخدم كورقة ضغط. لم تكن هذه المواجهة مجرّد اختبار عسكري، بل لحظة كشف كبرى أعادت رسم موازين الردع، وفرضت معادلات جديدة على كافة الأطراف. أبرز هذه المعادلات: أنّ إيران لم تعد تتلقى الضربات فحسب، بل تبادر بالرد، وتضع خطوطًا حمراء جديدة، بصوت مرتفع.

ورغم أن هذه الحرب لم تكن الأولى من نوعها، إلا أنها اتسمت بطبيعة عسكرية حديثة وبخصائص تجاوزت الأثر التقليدي، من حيث حجم الخسائر، وطبيعة الإنجازات، وأبعادها السياسية والاستراتيجية.

Advertisement

لسنوات، اعتمدت إسرائيل والولايات المتحدة على فزاعة الحرب كوسيلة ضغط لإرغام إيران على التفاوض والقبول بقيود على برنامجها النووي. لكن يبدو أن هذه الورقة قد استُنفدت بالكامل بعد أن اختُبرت فعليًا على الأرض، وأثبتت عجزها عن تحقيق الأهداف، بل أدّت إلى نتائج عكسية.

وعلى الرغم من الخسائر التي لحقت بإيران، فإنها خرجت من هذه المواجهة بمكاسب واضحة، من بينها:

التصدي الفعّال للهجوم، وإعادة تنظيم الصفوف بسرعة رغم استشهاد عدد من القادة العسكريين.

تماسك مؤسسات الدولة واستمرار عملها دون اضطراب.

وحدة وطنية لافتة، تمثّلت في التفاف شعبي حول النظام في لحظة كان يُراد لها أن تكون لحظة تفكك.

إثبات قدرات عسكرية جديدة عبر مفاجآت صاروخية متنوعة في النوع والدقة والتكتيك، أثّرت نفسيًا وعسكريًا على الكيان الصهيوني.

فشل العدو في تحقيق أبرز أهدافه، مثل ضرب المنشآت النووية، أو إثارة انقسام داخلي، أو إسقاط النظام، أو اغتيال القائد الأعلى للجمهورية.

وفي ختام المعارك، سُجّل تصعيد خطير وغير مسبوق:

ست ضربات صاروخية متتالية شنتها إيران على أهداف داخل الكيان الصهيوني، دون أن تلقى أي رد.

استهداف مقر القيادة المركزية الأمريكية في غرب آسيا، دون رد أمريكي يُذكر.

لجوء واشنطن إلى الوساطة المباشرة لوقف إطلاق النار، في تحوّل نادر لدور القوة العظمى، التي اعتادت فرض الشروط لا التفاوض عليها.

من جهة أخرى، أعلنت إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما يعني عودة البرنامج النووي إلى دائرة الغموض، ليصبح خارج رقابة المجتمع الدولي، وأكثر خطورة مما كان عليه قبل الحرب.

لقد تجاوزت إيران مرحلة القلق من اندلاع حرب قد تُضعفها أو تستنزفها، بعدما خاضت الحرب فعليًا وخرجت منها ثابتة، بل أقوى. ومن المتوقع أن تدخل أي مفاوضات مقبلة من موقع تفاوضي أعلى، وقدرة أكبر على فرض الشروط.

كما كشفت الحرب عن نقطة ضعف استراتيجية في المعسكر الغربي: فالولايات المتحدة، رغم كل تهديداتها، ليست مستعدة لخوض حرب شاملة. وهي رسالة باتت اليوم أوضح من أي وقت مضى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى