التنوع وقبول الآخر مدخلنا لنبذ التخلف والعنصرية
بقلم : سامر شعلان
على الرغم من أن المرض عادةً لا يميز بين عربي وأعجمى أو بين غني وفقير إلا أن فيروس كورونا أثبت أن هذا التصور ربما لا يكون فى محله دائماً ، فقد انتشرت في الآونة الأخيرة نعرات عنصرية يطلقها البعض ، وبعض الملاسنات بين شعوب وأخرى كل منهم يفتخر بدولته ويطعن في الدول الأخرى ، لدرجة أن البعض منهم طلب معاقبة الآخر ، وأتهمه بأنه المتسبب فيما نحن فيه من وباء، والحقيقة يصعب التكهن بصورة العالم ما بعد كورونا ، خاصة وأن الجائحة أظهرت أسوأ ما فينا.
ورغم قناعة معظم البشر بأهمية التنوع بمختلف أشكاله ، حيث إنه إحدى سنن الخالق الحتمية على هذه الأرض، فتنوع الطبيعة يؤكد تلك الحقيقة في كل زمان ومكان ، ويسهم الاختلاف والتنوع بأشكاله المختلفة في خلق تجارب مميزة وفريدة من نوعها ، عندما تتواجد مع أشخاص من خلفيات متعددة وتجارب مختلفة ، سيصبح بالإمكان خلق أفكار أو وجهات نظر قد لا يستطيع الآخرون التفكير فيها ، لأن لكل شخص طريقته الخاصة في التعامل مع مشكلة ما ، مبنية على تجاربه الشخصية وموروثه الثقافي والديني والاجتماعي ، لذا سيكون من الأفضل بلا شكّ أن يتمّ استعراض أى فكرة من وجهات نظر متعددة بدلاً من المحاولة من قبل أشخاص يتشاركون نفس التجارب والأفكار، الأمر الذي سيسهم بشكل فعال في خلق المزيد من الحلول الإبداعية ولهذا السبب تسعى كبرى الشركات مثل جوجل أو مايكروسوفت إلى تقديم فرص التدريب في مختلف مدن العالم لتعزز لدى موظيفها شعور تقبل الآخرين والتفكير خارج الصندوق.
كذلك خلق منظور جديد عندما تتعرف على تجارب الغير، فإنك بذلك تسلّط الضوء على حياة مختلفة تماما عن حياتك ، الأمر الذي يمنحك خبرات جديدة، عندما تقارن أولوياتك وقيمك مع الآخر، ستبدأ في فهم وجهات نظر الغير وتصرفاتهم وردود أفعالهم ، التحدث مع الآخرين ذوي الخلفيات الثقافية المغايرة قد يطور من عقليتك أو على الأقل سيجعلك أكثر تفهّما لوجهات نظر الغير ودوافعهم والصعوبات التي تواجههم ، ومن الجدير بالذكر أن التبادلات الثقافية وخوض تجارب تطوعية تسهمان بشكل كبير في خلق هذا المنظور.
تقبل الآخر ونبذ العنصرية من خلال التواصل المتنامي مع أشخاص جدد يحملون أفكارا مغايرة وبالتعامل المستمر معهم ، سيكتشف كل فرد أنّ هناك الكثير من النقاط المشتركة بينه وبين الآخرين ، ربما أكثر مما كان يتوقع ، وفي أحيان أخرى قد يكتشف أن الاختلاف لا يزال كبيرا ولا مشكلة في ذلك إطلاقًا ، التكيف مع هذه الاختلافات يعرض الفرد لوجهات نظر متباينة ، الأمر الذي يقلّل من إطلاق الأحكام المسبقة ويصحح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي تغذي العنصرية.
وقد أثبتت تجربة ريتشارد فريمان – أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد – والذي تعاون مع وي هوانج ، المرشح لنيل درجة الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة هارفارد ، بهدف فحص الهوية العرقية لنحو 1,5 مليون ورقة علمية في الفترة الممتدة بين عامي 1985 و2008 ، استخدم العالمان شبكة طومسون رويترز للعلوم ، وهي قاعدة بيانات شاملة تحوي معظم الأبحاث المنشورة ، اكتشف العالمان أن الأوراق العلمية التي شارك في تأليفها مجموعات متنوعة عرقيًّا، قد تم الاقتباس منها أكثر، وحققت صدى أكبر من تلك التي شارك في تأليفها أشخاص ينتمون إلى عرق واحد ، علاوة على ذلك وجدا أيضًا أن الأوراق الأفضل كانت مرتبطة بعدد كبير من العناوين الجغرافية المختلفة للمؤلفين: إذ إن التنوع الجغرافي، والاعتماد على عدد أكبر من المراجع هو انعكاس لمزيد من التنوع الفكري.
ومن المؤسف أن دولنا العربية التي تعتبر موطنا تاريخيا لأقدم الحضارات والثقافات والأديان، قلما تعير اهتماما لمكوناتها الحضارية ، ومن غرابة الأمور، أن التشويه حدث ولا يزال يحدث في بلادنا لمصطلحات فكرية ولمفاهيم كانت هي الأساس في التغيير الإيجابي في كثيرٍ من أرجاء الأمّة العربية ، وفي مراحل زمنية مختلفة ، بينما تنتعش الآن مفاهيم ومصطلحات أخرى تحمل أبعادا سلبية في الحاضر والمستقبل.
إنّ الأمة العربية تستمد جذورها الدينية والحضارية من خلال التفاعل الذي جرى على أرضها وفي جوارها مع الأديان والحضارات الأخرى المختلفة ، فالأمّة العربية هي مهبط الرسل والرسالات ، وفيها ظهرت قبل الإسلام حضارات كثيرة. كذلك في الدين الإسلامي دعوةٌ صريحة للتعارف بين الشعوب ، لذا يجب أن نذكر بعضنا أن الاختلاف سنة من سنن الحياة وأن التنوع إرادة الله فى كونه ولو أراد الله لجعل الناس أمة واحدة ، كما ينبغى أن ندرك أن درجة الفهم قد تختلف بين كل منا حسب إدراك ووعى كل شخص.
وأخيراً ربما علينا التوقف للحظة والنظر بتمعن في المجتمع من حولنا… لأننا إذا تغاضينا أو تغافلنا عن بعض الحقائق أو بعض المعطيات فإننا بلا شك سندفع ثمنا غاليا لذلك ،لأن أهمية التنوع وإيجابياته تطغى بلا شكّ عن سلبياته.
مقال رائع يكشف الوجه الحقيقي للعنصرية والرهاب الفكرى , الازهر الشريف منذ الف عام كان ملتقى للعلماء والدارسون من مختلف انحاء العالم العربي والعالم دون تمييز بينهم ..بوركت جهودكم استاذى الكبير
جزاكم الله خيرا دكتور محمد