التربية الإعلامية… ضرورة لحماية المجتمعات

بقلم: حمزة بن علي عيدروس
بات إدراج مادة تُعنى بالتربية الإعلامية في المناهج الدراسية بالمدارس والجامعات والكليات ضرورة ملحّة، لا خيارًا ثانويًا، في ظل التحولات المتسارعة التي فرضتها وسائل الإعلام الحديثة وتقنيات التواصل الرقمي. فالتحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في وفرة المعلومات بحد ذاتها، بقدر ما يكمن في كيفية التعامل معها وفهم مضامينها، وسط كمٍ هائل من الرسائل المتداخلة والموجهة، التي يحمل بعضها أهدافًا هدامة تهدد القيم وتُسهم في تفكك المجتمعات.
لقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة لتشكيل الوعي الجمعي، وأداة مؤثرة في توجيه السلوك والأفكار، لا سيما لدى النشء. ومع سوء استخدام بعض التقنيات الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، تتزايد المخاطر المرتبطة بنشر المحتوى المضلل، وتشويه الحقائق، والترويج لأفكار تمس الدين والقيم والثوابت الاجتماعية.
وكما يُقال: «إذا أردت أن تهدم حضارة، فهناك ثلاث وسائل: هدم الأسرة، وهدم التعليم، وإسقاط القدوات». وهي عناصر مترابطة ترتبط اليوم بشكل مباشر بالمحتوى الرقمي غير المنضبط، وبالاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث تتعرض الأسرة وأبناؤها لرسائل هدامة تستهدف منظومة القيم والسلوك، وتعمل على تعميم نماذج سلبية تُفقد الأجيال بوصلتها الأخلاقية.
من هنا، تبرز أهمية اتخاذ إجراءات جادة لحماية المجتمع، تبدأ من بناء وعي حقيقي لدى الأبناء، وتعزيز قدرتهم على التمييز بين الغث والسمين، حتى لا نُفضي إلى نشأة أجيال هشة، سهلة التأثر، قابلة لاستقبال أي فكر مدمر أو ثقافة سلبية دون وعي أو نقد.
وتُعرَّف التربية الإعلامية بأنها تمكين الأفراد من الوصول الواعي إلى وسائل الإعلام، وتحليل مضامينها بصورة نقدية، وتقييم محتواها، والمساهمة في إنتاج رسائل إعلامية مسؤولة. وتهدف هذه التربية إلى تعزيز الفهم العميق لتأثير الإعلام في تشكيل الرأي العام، وحماية الفرد من مخاطر الأخبار الزائفة وخطاب الكراهية والتضليل، وتُعد جزءًا أساسياً من حقوق المواطن الحديثة، ومكونًا رئيسيًا من مهارات التفكير النقدي.
وفي الختام، نحن أمام صراع ثقافي وفكري حقيقي، يتطلب يقظة مستمرة وإجراءات عملية لحماية مجتمعاتنا، والحفاظ على ثوابتنا وقيمنا، عبر الاستثمار في الوعي لا الرقابة فقط، وفي التربية الإعلامية باعتبارها خط الدفاع الأول عن الهوية والوعي الجمعي.




