الاحتفال بليلة القرنقعوه
بقلم : د. هلا السعيد
يحتفل الجميع بليلة “القرنقعو” في قطر ، أو قرقيعان في الكويت وشرق السعودية ، أو قرقاعون في البحرين ، أو القرنقشوه في عُمان.
وهو تقليد سنوي ومناسبة تراثية يُحتفل بها في بلدان الخليج العربي حتى يومنا هذا ، حيث يطوف الأطفال في منتصف شهر رمضان ليلة 15 ويرددون الأهازيج وتوزع المكسرات والحلوى عليهم ، وتختلف الأهازيج بحسب المناطق اختلافاً بسيطاً وتتشابه في المضمون ، ويرتدي الأطفال زياً معينا لهذه المناسبة ، والتسمية مشتقة من (كلمة قرقعة) ، فارجعها البعض إلى ارتباط هذا الاحتفال بقرع الأطفال لأبواب الفريج والجيران طلباً للمكسرات والحلوى ، بينما نسبها آخرون إلى التعبير “قرة العين” وهم (الأطفال) ، ويري البعض سبب التسمية بالقرنقعوه لاصدار أصوات من مواد صلبة ، وهي صوت الأواني الحديدية التي تحمل الحلويات .
ويلاحظ أن الاطفال بعد انتهاء فترة تناول وجبة الفطور يبدأون بالتنقل على البيوت المجاورة مرتدين الملابس الشعبية القديمة ، وتلبس البنات الدراعة والبخنق وتتزين بعضهن بالحنة.
ويردد الأطفال أثناء تجوالهم في الأحياء “قرنقعوه قرقعوه عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم .. يا مكة يا معمورة يا أم السلاسل والذهب يا نورة”.
والهدف من احياء هذا التراث القديم ، هى القيمة الاجتماعية والتحفيزية الكبيرة التي نقدمها لأبنائنا ونحن نحتفل معهم بـ «ليلة القرنقعوه» منتصف شهر الصيام من كل عام ، إن الإحتفال يرسي قيمة تربوية كبيرة بنفوس أبنائنا باحياء التراث – كما أن الاحتفال يعتبر مكافئة للأولاد والبنات علي صيامهم لنصف شهر رمضان – وأيضا تشجيع هؤلاء الأبناء على مواصلة الصيام حتى نهاية الشهر الكريم.
تحريف العادات الموروثة: ومنذ سنوات طويلة وهذه العادة الموروثة مستمرة دون أن تتوقف ، لكنها تأثرت بالتطور وظهور وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ، فيما صار البعض يتكلف في إحياء هذه المناسبة ، ومع تقدم الحياة العصرية بدأ (قرقنقعوه) يختلف في طريقة الإحتفال به لينزع عباءة البساطة والعفوية ، ويصبح مكلفاً في تجهيزاته وتصاميمه وتحولت خلطة (قرقنقعوه) البسيطة (السبال والنقل والبيذان وبرميت) إلى شوكولا أجنبية وحلويات وبطاقات دعوة وتصميمات وحفلات واستبدلت فكرة خياطة الجدة كيس (القرقيعان) ، كما أن الأطفال كانوا يلبسون “الجلابية” و”البخنق” ولا تكلف هذه قيمة كبيرة ، تحول الوضع لتصميمات حديثة غالية الثمن وأيضا تطور الأمر ، ودخل عليه التصوير وتأجير النطاطيات لأطفال الأسر ، الأمر الذي أضاع عليهم فرحة «القرقعة» على بيوت الجيران ، أي أن البساطة بتراثنا اختفت ليحل مكانها البدع الموروثة ، احتفالات وقاعات وتوزيعات وهدايا غالية الثمن وتصاميم لأكبر الشركات يرتدون أغلى الملابس لمصممين عالميين مطرزه وكانه فرح وهذه بعض عادات الصرف البذخي والمبالغ فيه التي بدأت بعض الأسر تتبعها عند التجهيز لهذا الاحتفال ، الأمر الذي يجعله عبئا على مالية الأسرة ويُخرجه من سياقه التربوي والاجتماعي.
ومع البذخ نعلم أطفالنا عادات سيئة : نزرع في نفوس أبنائنا التنافس والتفاخر بما يرتدوه وما يقدموه ، وكذلك الاسراف بأكل الحلويات ، مما يجعل أطفالنا عرضة لتسوس الأسنان .
حافظوا علي التراث الموروث الذي يعبر عن تقاليدنا الجميلة التي تتصف بالبساطة وعدم البذخ لكي تحافظون على جوهر الاحتفال بـ”القرنقعوه” ، مع ضرورة الاعتدال في كل شيء حماية لأسرنا ومجتمعنا.
يقول الله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، فلابد أن يكون الاعتدال في كل شيء.
تذكروا أن الاحتفال بقرنقعو هو للحفاظ علي موروثاتنا وتدريب أبنائنا علي الهوية الوطنية
د. هلا السعيد