آراء

الإبادة الجماعية “Genocide”

السفير أشرف عقل يكتب

تمت صياغة هذا المصطلح في أربعينيات القرن الماضى بمعرفة المحامي البولندي المولد رافائيل ليمكن ، ويقصد به التدمير المتعدد والممنهج لمجموعة من الناس بسبب العرق أو الجنس أو الأصل أو الدين .

Advertisement

وقد صنفت الفظائع التي ارتكبت أثناء محاولات الإبادة لطوائف وشعوب على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي ، كـجريمة دولية في اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع سنة 1948م ، هى  اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية ، والمعروفة اختصاراً بـ”CPPCG” ،  والتى وضعت موضع التنفيذ سنة 1951م ، بعد أن صادقت عليها عشرون دولة آنذاك . وقد صادقت عليها حتى الآن 133 دولة من بينها الاتحاد السوفييتي السابق عام 1954م ، والولايات المتحدة 1988م ، ومن الدول العربية صادقت كل من : السعودية ، مصر ، العراق ، الأردن ، الكويت ، ليبيا ، المغرب ، سوريا ، وتونس . بينما لم تصدق 50 دولة من بينها : قطر ، الإمارات ، سلطنة عُمان ، موريتانيا ، وتشاد .

ووفقا للمادة الثانية من هذه الاتفاقية ، فإن الإبادة الجماعية تعنى أيا من الأفعال التالية المرتكبة سواء بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية ، بصفتها هذه  :

Advertisement

–  قتل أعضاء من الجماعة .

– إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة .

– إخضاع الجماعة ، عمداً ، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا .

– فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة .

– نقل أطفال من الجماعة ، عنوة ، إلى جماعة أخرى .

ولقد كان التاريخ الإنساني مليئا بالمجازر التي ارتكبت من قبل الدول على المستويين الداخلي ضد شعوبها ، والخارجي ضد الشعوب الأخرى ، ورغم كثرة مجازر الإبادة الجماعية ، إلا انه لم تتم الإشارة سوى إلى تلك المجازر التي حدثت في القرن العشرين ، وقد بذل المجتمع الدولي محاولات لتطوير القانون الدولي خاصة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين ، وكان تركيزه على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لذلك فإن مصطلح الإبادة ليس  مصطلحا وصفيا فحسب ، بل مصطلحا قانونيا ، وعلى هذا الأساس لا يعني المصطلح تلك المجازر التى ترتكب ضد المدنيين بشكل عام ، بل الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة معينة ، ولما كانت هذه الإبادة من الجرائم الدولية التي لا يسري عليها مبدأ التقادم ، فمن باب أولى عدم سريان التقادم على ذكرها أيضا.

كانت المحكمتان الدوليتان اللتين شكلتا بسبب عمليات الإبادة في رواندا والبوسنة أول تطبيق عملي للاتفاقية ، وفي عام 1988م حُكم على مرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا بالسجن مدى الحياة ، وبينهما جان كمباندا الذي كان رئيسا للوزراء في بداية عملية الإبادة والذي اعترف بمسؤوليته عن إبادة المدنيين من قبيلة التوتسى .

ورغم أنه يتعين على جميع الدول الموقعة على اتفاقية “CPPCG” ، منع ومعاقبة جميع أشكال جرائم الإبادة الجماعية ، سواء فى أوقات الحرب أو السلم ، فإن هناك بعض العوائق التى تحول دون تطبيق بنود هذه الاتفاقية ، وخاصة في دول معينة وقعت عليها مثل : البحرين ، بنجلاديش ، الهند ، ماليزيا ، سنغافورة ، الولايات المتحدة ، فيتنام ، اليمن ، بالإضافة إلى جمهورية يوغوسلافيا السابقة. حيث وقعت هذه الدول على الاتفاقية بشرط ألا تُرفع ضدهم قضايا تتعلق بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية بدون موافقتهم ، وبينما اعترضت بعض الدول الموقعة رسمياً على الإشكالية الأخلاقية والقانونية لهذا الشرط ، فإن بعض الدول الأخرى حصلت على حق الحصانة من الملاحقة القانونية من وقتٍ لآخر مثل الولايات المتحدة ، التى رفضت السماح بمناقشة تهمة الإبادة الجماعية التي وجهتها جمهورية يوغوسلافيا سابقاً ضدها عقب حرب كوسوفو عام 1999م .

وقد أصبحت الإبادة الجماعية جريمة غير قانونية وفقاً للقانون الدولي والعرفي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، ومن الصعب عموماَ القيام بجرائم الإبادة الجماعية بسبب العواقب القانونية ، فهناك سلسلة من المساءلات القانونية يجب الأخذ بها ، ولا تعمل المحاكم الدولية أساساً ، إلا إن كانت الدول المعنية بالجريمة عاجزة أو غير راغبة فى إجراء محاكمات شرعية قد تضر بها .

محاكمات نورمبرج ( 1945 – 1946م ) .

  • حوكم القادة النازيون بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لمشاركتهم في جرائم قتل جماعية وجريمة الهولوكوست ، واستندت الأحكام إلى القانون الدولي في تلك الفترة ، أي نال هؤلاء النازيون تهمة “جرائم ضد الإنسانية” ، فلم توجد وقتها جريمة “الإبادة الجماعية” ، ولم تحصل على تعريف رسمي حتى عام 1948م ، حتى تم التوقيع على اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية سالفة الذكر.
  • وقد ظهر المصطلح المُصاغ جديداً في لائحة اتهام القادة النازيين ، حيث ورد أن المتهمين قاموا بعمليات إبادة جماعية منهجية ومتعمدة ، وتحديداً إبادة مجموعات قومية وعرقية ، في مناطق محتلة ومأهولة بالسكان المدنيين بهدف القضاء على عرق معين أو فئة معينة من الناس ومجموعات عرقية ودينية ، وتحديداً اليهود والبولنديين والغجر وغيرهم .

المحكمة الجنائية الدولية لجمهورية يوغوسلافيا السابقة (1993-2017م)

  • يُستخدم مصطلح مذبحة البوسنة للإشارة إلى عمليات القتل التي ارتكبتها القوات الصربية في سربرينيتسا وجيبا عام 1995م ، أو عمليات التطهير العرقي التي حدثت خلال حرب البوسنة بين عامي 1992 – 1995م. ، وقد حكمت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة عام 2001م بأن مذبحة سربرينيتسا التي حدثت عام 1995م هي إبادة جماعية. ، وفي 26 فبراير 2007م ، أيدت محكمة العدل الدولية نتائج المحكمة الجنائية ليوغوسلافيا بخصوص قضية مذبحة البوسنة ، وأكدت ارتكاب جرائم إبادة جماعية في سربرينيتسا وجيبا ، لكنها وجدت أن الحكومة الصربية لم تشارك في عمليات إبادة منهجية في مناطق أخرى من البوسنة والهرسك خلال الحرب ، خلافا لما ادعته الحكومة البوسنية .

وفي 12 يوليو 2007م ، رفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان استئنافاً قدمه نيكولا يورجيتش ، وهو جندي من صرب البوسنة شارك في الحرب إلى جانب الصرب ، ضد المحكمة الألمانية لاتهامه بارتكاب جريمة إبادة جماعية ، ولاحظت أن تأويل المحاكم الألمانية لمصطلح “الإبادة الجماعية” يتم رفضه في المحاكم الدولية عندما يتعلق الأمر بقضايا صغيرة .

  • وقد أشارت المحكمة الأوروبية إلى الاختلاف الشائع بين المنظرين ورجال القانون حول الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في القرن الحادى والعشرين. حيث يرى بعضهم أن التطهير العرقي الذي قامت به القوات الصربية في البوسنة والهرسك بهدف طرد المسلمين والكروات من منازلهم لا يُشكل إبادة جماعية ، لكن الطرف الآخر يرى أن هذه الجرائم قد تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية.

ويعد الرئيس الأسبق ليوغوسلافيا الاتحادية ، ثم صربيا ، سلوبودان ميلوشيفتش المتهم الأكبر والأعلى منصباً في محاكمات المحكمة الجنائية الدولية ، وقد توفي فى 11 مارس 2006م ، خلال فترة محاكمته فى لاهاى ، حيث جرى اتهامه  بارتكاب أو المشاركة في جريمة إبادة جماعية على أراضي البوسنة والهرسك ، لذا لم يصدر قرار نهائي ضده .

  • وكانت المحكمة قد أصدرت فى عام 1995م مذكرة اعتقال لكل من رادوفان كاراجيتش رئيس صرب البوسنة ، والجنرال راتكو ملاديتش رئيس أركان جيش صرب البوسنة موجهة إليهما مجموعة من التهم تتضمن جريمة الإبادة الجماعية. ، وفي 21 يوليو 2008م ، أُلقي القبض على كاراجيتش في بلجراد ، حيث جرت محاكمته في لاهاي بتهمة ارتكاب جائم عديدة من ضمنها الإبادة الجماعية. وفي 24 مارس 2016م ، صدر الحكم بخصوص كاراجيتش ، وأُدين بتهمة ارتكاب جريمة إبادة جماعية في سربرينيتسا وجيبا ، وكذلك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. أي أنه تمت ادانته بارتكاب عشر جرائم من أصل 11 ، وحوكم بالسجن لـمدة 40 عاماً .

 

  • أما الجنرال راتكو ملاديتش ، فقد اعتقل في 26 مايو 2011م في مدينة لازاريفو الصربية وحوكم في لاهاي ، وقد صدر الحكم النهائي في 22 نوفمبر 2017م ، حيث ثبت ارتكابه لحوالى 10 تهم من إجمالي 11 تهمة تتضمن الإبادة الجماعية ، وقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة .

عمليات الإبادة الجماعية :

  • من أشهر عمليات الإبادة هو ما قام به النازيون ، أثناء الحرب العالمية الثانية ، من قتل لحوالي 11 مليون مدني ، من بينهم : يهود ، سلاف ، شيوعيون ، شواذ ، معاقون ،  معارضون سياسيون وغجر ، والعديد من الشعوب غير الألمانية .

وهناك حالات لجريمة الإبادة وحالات للأفعال المشابهة في القرن العشرين هي  :

–  المجازر ضد الآشوريين .

– المجازر ضد الأرمن .

– مجازر سيفو

– مجزرة سميل

–  الهولوكوست أو المحرقة اليهودية .

–  مذبحة سربرنيتشا وجيبا .

–  مجاعة هولودومور .

–  مذبحة صبرا وشاتيلا .

–  مذبحة حماة .

–  عمليات الأنفال .

– الإبادة الجماعية في رواندا .

– عمليات التطهير العرقي في بوروندي .

–  نزاع دارفور .

–  اضطهاد الإيزيديين على يد داعش.

– المجازر الجماعية ضد مسلمي الروهينجا في بورما .

– مجازر الجماعات الارهابية .

وقد شهد التاريخ الإنساني عدة حالات من القتل الجماعي ، ولكن تدور المناقشة عن استخدام مصطلح الإبادة الجماعية حول قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة معينة ، لأن هذا القصد هو الجزء الأساسي في الإبادة الجماعية ، ولكن يصعب التدليل عليه ، لذلك ، فإن مصطلح الإبادة الجماعية والمنظمة لا يستخدم بمعناه القانوني بالنسبة لبعض حالات القتل الجماعي ويسبب استخدامه أو عدم استخدامه صراعا سياسيا في بعض الحالات الأخرى ، كما حدث للأكراد في العراق ، ومن الحالات الغير متفق عليها أيضاً  :

-عمليات إبادة الأمريكيين الأصليين “الهنود الحمر”.

– إبادة هيروشيما .

– عمليات الأنفال .

– اضطهاد الإيزيديين على يد داعش .

– اعتداءات إسرائيل على الفلسطينيين فى قطاع غزة والضفة الغربية ، والقتل الممنهج للمدنيين خاصة من الأطفال والنساء ، وإبادة أحياء سكنية بأكملها فى قطاع غزة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى