اعتراف الغرب بفلسطين .. ميلاد أم إجهاض دولة؟

بقلم : سامر شعلان
منذ عقودٍ طويلة، ينتظر الفلسطينيون لحظة الاعتراف الكامل بدولتهم، غير أن الواقع ظلّ معلقًا بين نصوص القرارات الدولية ومصالح القوى الكبرى. واليوم، مع إعلان عدد من الدول الغربية – بينها بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال وفرنسا – اعترافها بالدولة الفلسطينية، تعالت الأصوات العربية مرحِّبة، حتى بدا المشهد أقرب إلى “نصر دبلوماسي”. لكن السؤال الجوهري يظل مطروحًا: هل نحن أمام ميلاد دولة حقيقية، أم أمام إجهاض مبكر لفكرتها قبل أن تكتمل؟
المتابع للمشهد يدرك أن الاعتراف الغربي، رغم زخمه الرمزي، لا يتجاوز كونه خطوة سياسية محسوبة أكثر مما هو التزام أخلاقي أو قانوني بحق الفلسطينيين. فشروط الدولة الكاملة ما تزال رهينة لفيتو مجلس الأمن، وهو العائق الذي يدرك الجميع أنه لن يُزال بسهولة. وعليه، فإن ما يُسوَّق اليوم بوصفه مكسبًا، قد لا يكون أكثر من ورقة ضغط في لعبة التوازنات مع إدارة ترامب أو أي إدارة غربية قادمة.
المفارقة أن هذه الدول التي ترفع شعار “الحق الفلسطيني” تخشى في حقيقة الأمر قيام كيان فلسطيني مستقل وذي سيادة، أكثر مما تسعى إلى تحقيقه. فهي تعمل على إنتاج نسخة “مروّضة” من الدولة، بلا سيادة فعلية ولا قرار مستقل؛ سلطة رمزية تُدار تحت الوصاية الدولية، تُقصي قوى المقاومة، وتُبقي الصراع الفلسطيني رهينة لإدارة غربية تنظر إلى فلسطين كملف ثانوي ضمن صفقات كبرى.
الأكثر لفتًا للانتباه أن هذه الاعترافات انسجمت مع ما تسرب عن تفاهمات أوسع: نزع سلاح المقاومة، إبعاد “حماس” عن المشهد في غزة، إطلاق سراح الرهائن دفعة واحدة، نقل السكان مؤقتًا لحين إعادة الإعمار، تشكيل قوة أمنية مشتركة برعاية دولية، وتكليف توني بلير بقيادة سلطة انتقالية على غرار تجربة بول بريمر في العراق. وهي بنود تكشف أن الاعتراف ليس مقدمة لقيام الدولة، بل خطوة لتفريغها من مضمونها وتحويلها إلى كيان شكلي بلا روح.
وفي هذا السياق، لا يبدو مستغربًا أن يتقاطع الموقف الفلسطيني الرسمي مع هذه الرؤية، حين دعا الرئيس محمود عباس “حماس” إلى تسليم سلاحها والانضواء تحت سلطة واحدة وقانون واحد. طرح قد يُقرأ في سياقه الداخلي، لكنه يعكس أيضًا انسجامًا مع معادلة دولية تُقصي المقاومة وتُبقي القضية معلقة بين الوعود والتسويات المؤجلة.
الخلاصة أن اعتراف الغرب بدولة فلسطين، رغم أهميته الرمزية، لا يقرّب الفلسطينيين من دولتهم المنشودة بقدر ما يضيف قيدًا جديدًا إلى مشروع التحرر. فهو إعلان “ميلاد” شكلي لدولة ما تزال غائبة على الأرض، وإجهاض مبكر لحلم السيادة الكاملة. وبين الميلاد والإجهاض، تبقى القضية الفلسطينية عالقة في رحم السياسة الدولية، تنتظر من يحررها لا من يساوم عليها.