آراء

اشتباك : قداسة المولد وثروية الضرورة!

بقلم : يرستين النهمي

Advertisement

تشتبك صنعاءُ مع بعضها ، تتداخل الاحتفالات بها ، ما بين خُضرة الأضواء واصفرارها ،  أعينٌ مبتهجةٌ وحزينة ، ذكرى نكبةٍ أسموها ثورة ، وذكرى مولدٍ أعطوه قداسة وضرورة دينية ، ودنيوية ، لا مراء في التضادية في السؤال حول مشروعية الاحتفال من عدمه ، من شاء فعل .. ومن شاء ترك ، ذلك حقٌ تكفله الشرائع والقوانين.

وما الخلاف إلّا حول مظهريته وتحوله لأداةٍ سلطوية ، سيف منصوب فوق الرقاب والأعناق ، فرض على الكُلِّ ، شريعة قائمة بذاتها ، لهُ مشروعيةٌ أزلية ، لكأنَّهُ ضرورةٌ وجب القيام بتأديتها ، أو إنَّهُ ركُنٌ أخضر مُخضر في هيكلية النظام ، ربيعٌ نابتٌ في جمهورية شتوية ، يابسة ، قاحلة ، جرداء من دواخلها.

Advertisement

الظاهر معكوس الباطن ، فقداسة النبي محمد عليه الصلاة والسلام مُجمعٌ عليها ، وقداسة إشباع البطون الجائعة مُجمعٌ عليها ، وانعكاس أشعة الشمس في المرآة مُثبتٌ نظريًا ، وانكسار الشعب حقيقةٌ واقعية.

آتى نبينا لإشباع الجوعى ، وإزالة الفوضى ، ومناصرة الضعفاء ، وردع الأقوياء ، كاسرًا لشوكتهم كما تفعل المرآة بالأشعة؛ إمّا انكسارٌ وسقوطٌ أبدي ، وإمّا انكسارٌ لأنفتهم كي يعود لصوابية الأعمال والأفعال ، وفقًا لرسالته التي جعلت الناس سواسية.

كانت رسالته واحدية في ظاهرها وباطنها. كان عظيمًا ، رحمةً للناسِ ، مُبلغًا كريمًا ، يحث على الإيمان ، ويشجع على الثورة ضد التسلط المتغطرس ، يأمر بعبادة الواحد ، وينهى عن الإشراك ، يُردد “ما أنا إلا رجلٌ مثلكم أخطئُ وأصيب” ، و”كانت أمي تأكل القديد بمكة” ، لا يشعرنَّ أحدٌ منكم بالأفضلية ، ولا يراني ذو قداسةٍ أو قدسية ، “ما أنا إلا عبدُ اللّه ورسوله” ، «وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل .. ومَن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا..» (آل عمران : 144).

كان من ضُعفاء القوم وناصرهم بغية تحقيق العدالة الاجتماعية ، فعل ذلك إرضاءّ لربِّهِ ، وتنفيذًا لأوامره ، لا من أجل أن يُزيح الطبقة المتغطرسة الكافرة ، ليحل مكانها متغطرسًا متجبرًا يسعى في الفساد.

لمَّا كان أعظم محررًا في تاريخ الإنسانية؛ حُق لهُ أن يكون بقلوبنا ذو مكانةٍ عظيمة ، نفتخر بهِ ونتبع ما جاء بهِ؛ تــاركــــًا لنا شريعة وحياة ، أدى دوره ورحل!.

فذكرى مولده وموته ، تفرِضُ مراجعة الأنفس لماهيتها ، هل هي على نهجه أم انحرفت عنه؟

روحانيتها عتاب ومراجعة أقل منها فرحة وسرور ، وليكُن الفرح إعمالاً ، ولا نقمع أحدًا من الاحتفال بصفته وذاته وعلى حسابه ، بنفس طريقته – أي نبينا – في الاحتفالات ، من تفقدٍ للجيران ، وإيصال للأرحام ، وشكر للرحمن.

لا جمهرة وحشود ، واستعراض وتجويع ، وإذلال وقهر ، وظلم وطغيان. وإنَّهُ لو عاد لأنكر سماع قوقعة البطون الجائعة ، ودعى لثورة شاملة جامعة ، وتبرأ من مظهرية ما يُقام بإسمه ولأجله؛ صارخًا بصوت العدالة والمساواة ، وجامعًا للشتات والتفرق والتمزق والانقسام يجمعنَّ الناس على مبادئ البيعة ، لا على بيعة الحشود والجماهير التي تُقام .. يُثبت موروث رسالتهُ ، نكُران ما يُفعل يوم مولده بغطاء أيديولوجي سياسي مُغرض!.

لم يرضَ قداسته ، ورفض الملك والمال والسلطة والجاه وجميلات العرب ، قائلاً : “ما لهذا جمعتكم..” ، فكيف سيرضى بقداسة يوم مولده ، كيف يرضى بالتبذير؟ كيف ينقلب على المبادئ التي أتى بها؟ وكيف يفرض تخضير الشوارع والأحياء بقيمة لقيمات الفقراء؟

قطعًا ، لا يرضى ، يرفض ، يتذمر ، لا يقبل بأن يكون شعارًا لجني الثروات ، ولا شعارًا لإبراز العضلات ، ولا شعارًا لسلطوية سارقي الأقوات. فإذا كان رافضًا للتسلط والظلم ، ورافضًا الملك ..كيف لهُ أن يقبل ثروية ـ ثراء ـ من يدعون النسب إليه ، وهو القائل : “اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا” ، دعى بألا تكون سلطةً ولا ثروةً لآله ، ولم يدعو لهم بالحاكمية ولا القيادة ولا الغناء ولا الثراء.

كم أنت بريءٌ منهم .. فهُم يكرهونك وأن أظهروا حبهم لك ظاهريًا ، وأنكروا قولي بكراهيتهم لك ، فهُم كذلك لأنهم كرهوا من أحببت ، وفعلوا ما كرهت ، وهذا دليلٌ على بغضهم وكراهيتهم لك يا نبينا.

إذْ لو أحبوك حقًا ما نقموا على أحفاد من ناصروك ، واستخدموهم واستخدموك كدعايةٍ أمام الأمم ، وقولهم : صامدون ، واحتفالنا لا يزيدنا إلا تعاليًا وشرفًا. أرأيت كيف الصمود والجوعى على وشك الرقود – الرقود الذي لا صحو بعده أبدًا. وهُم وحدهم من يتلذذون بأكل أموال الناس باطلاً وزورًا ، ويرون أن ما يفعلونه ضرورةً ثروية بدواع قداسة الاحتفال بالمولد النبوي.

إشتباك قداسة المولد 2

يرستين النهمي : “الأمين العام المساعد لحقوق الانسان في ائتلاف القوى الديموقراطية للسلام والوئام”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى