إسطنبول: جسر المصالح أم ساحة صراع؟ قراءة في لقاء العملاقين الأمريكي والروسي

بقلم : نداء حرب
في إطار المتابعة المستمرة للملفات السياسية الدولية ، وخاصة ما يتعلق باللاعبين الرئيسيين على الساحة السياسية ، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم حول ما قد يتمخض عنه اللقاء المرتقب بين روسيا والولايات المتحدة ، والذي سيتم تحت الرعاية التركية. هل لتركيا دور رئيسي في هذا اللقاء؟ وما هي التوقعات بشأنه؟
هل سيشكل اللقاء فرصة لإدارة الأزمات القائمة بين الطرفين الأمريكي والروسي ، خاصة في ظل التصعيد المستمر منذ بداية الحرب في أوكرانيا ، أم أنه سيحمل حلولاً ملموسة أو تفاهمات محتملة؟
في البداية ، من المتوقع أن تُطرح مبادرات لوقف إطلاق النار أو تخفيف التصعيد ، خصوصاً في المناطق الساخنة مثل دونباس ، الذي يُعد أحد الملفات الأكثر أهمية بالنسبة لروسيا ، التي تسعى لتوظيف أوراق سياسية مهمة لإنهاء هذه الحرب. أما بالنسبة للولايات المتحدة ، فقد تدفع نحو إعادة فتح ممرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود ، بعد انسحاب روسيا من الاتفاق السابق ، وقد تطرَح إعادة تفعيل اتفاقيات تصدير الحبوب الأوكرانية ، مع ضمانات أمنية من روسيا.
وفيما يتعلق بالجانب الإنساني ، من المرجح أن تُعرض حلول عبر اتفاقيات إنسانية لتبادل الأسرى أو السماح بمرور المساعدات الإنسانية. وفيما يخص الأسلحة النووية ، قد يتم مناقشة تجديد معاهدة “نيو ستارت” أو إيجاد إطار جديد للحد من الأسلحة الاستراتيجية ، مع إمكانية طرح قواعد جديدة لتحديث جزئي لاتفاقيات الحد من الأسلحة النووية ، بالإضافة إلى إنشاء قنوات اتصال مباشرة لتجنب سوء الفهم في حالات الأزمات.
من ناحية أخرى ، لا يمكن إغفال الملف النووي الإيراني ، إذ من المتوقع أن يقترح الجانب الأمريكي مناقشة تنسيق الجهود بشأن هذا الملف الشائك ، لضمان عدم تصعيد إيران في برنامجها النووي ، خاصة مع تصاعد التوترات في المنطقة.
أما فيما يتعلق بالملف السوري ، فمن المتوقع أن تتم مناقشة تقاسم النفوذ في شمال سوريا ، في ظل تصاعد الاشتباكات بين الفصائل الموالية لتركيا وتلك المدعومة من روسيا. كما يُتوقع أن يُطرح التنسيق المحدود بشأن مكافحة الإرهاب في المنطقة ، خاصة في مناطق التماس بين القوات الموالية لروسيا وتلك المدعومة من الولايات المتحدة. هل سيتم التنسيق حول محاربة تنظيمات إرهابية مثل داعش ، أم سيظل ذلك غطاءً جديداً؟
ولا يغيب عن الأذهان أن الولايات المتحدة قد تعرض عملية تفاوض لتبادل الأسرى أو الإفراج عن معتقلين من الجانبين ، مثل الصحفي الأمريكي إيفان غيرشكوفيتش المحتجز في روسيا.
من جهة أخرى ، تعتبر القضايا المتعلقة بالأمن السيبراني وفضاء الإنترنت أحد أولويات الولايات المتحدة ، نظراً لتزايد حروب الفضاء الإلكتروني. من المحتمل أن تُناقش قواعد لضبط الهجمات الإلكترونية المتبادلة ، عبر اتفاقيات غير رسمية لتجنب الهجمات السيبرانية على البنية التحتية الحيوية.
أما عن دور الوساطة التركية في هذا اللقاء ، فإن تركيا قد تسعى لتعزيز الحوار بين الطرفين ، مستفيدة من علاقاتها الجيدة مع كل من واشنطن وموسكو. يمكن أن تتبنى تركيا مبادرات لتعزيز دورها كوسيط في قضايا مثل تصدير الحبوب الأوكرانية أو تبادل الأسرى ، مع هدف أساسي يتمثل في تجديد التواصل لتفادي انهيار العلاقات الثلاثية ، خاصة مع استمرار الحرب في أوكرانيا ودعم مطالب تركيا في الساحة السورية.
وفي الختام ، من المرجح أن يكون اللقاء الأمريكي الروسي في إسطنبول خطوة نحو احتواء التوترات بدلاً من حلها بشكل جذري. قد يُفضي إلى اتفاقات صغيرة قابلة للتحقيق ، حيث إن التعقيدات الجيوسياسية وتضارب المصالح تجعل التوقعات الكبرى غير واقعية في المدى القريب. التركيز ربما سيكون على إدارة الأزمات وتفادي التصعيد ، بدلاً من التوصل إلى حلول جذرية.
