GreatOffer
آراء

إسرائيل الكبرى : كيف يتم تنفيذ المشروع الصهيوني في الشرق الأوسط؟

بقلم : ناصر السلاموني

Advertisement GreatOffer

منذ نهاية القرن التاسع عشر، لم يتوقف الحديث عن التخطيط الإسرائيلي لإنشاء كيان صهيوني في فلسطين، والتوسع بعدها لتصبح “إسرائيل الكبرى” القوة المهيمنة في الشرق الأوسط. لم تكن هذه الأهداف مجرد أحلام أو طموحات بعيدة المنال، بل كانت مخططات مدروسة بعناية، ورُسمت خرائطها في دهاليز السياسة الغربية، وصُدّقت عليها في الكونغرس الأمريكي عام 1984، ضمن مشروع تقسيم الوطن العربي إلى 34 دويلة صغيرة، بحيث تكون إسرائيل هي القوة الحاكمة وصاحبة القرار.

لم تكن تلك الخرائط مجرد رسومات على جدران الكنيست، ولا كان الخطان الأزرقان في علم إسرائيل مجرد زخرفة، بل هما رمزان لنهر النيل والفرات، مما يدل على النطاق الجغرافي المستهدف. وقد تحوّل هذا الطموح إلى إستراتيجية عملية تُنفّذ اليوم على الأرض بلا مواربة، مستغلةً كل حدث وكل أزمة لتحقيق تقدم في هذا المشروع.

Advertisement

أولًا: المخطط الصهيوني في بعده العسكري

في إطار هذا المشروع الصهيوني، أصبحت تنفيذ الخطط العسكرية يخضع لسيناريوهات مدروسة بعناية، وليست اعتداءات عشوائية. الهجمات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت محيط القصر الرئاسي في سوريا لم تكن مجرد محاولة اغتيال للرئيس الجديد، بل كانت جزءًا من خطة شاملة لإعادة تشكيل الخريطة الاستراتيجية للمنطقة بما يخدم مصالح تل أبيب.

سوريا، بوابة الشمال وجار استراتيجي لإسرائيل، لا يُسمح لها بالاستقرار أو استعادة عافيتها العسكرية. فبعد أن كان بشار الأسد يحظى بحماية غير مباشرة من موسكو، جاء النظام السوري الجديد بخطوات جريئة نحو التقارب مع تركيا، بل والتخطيط لاتفاق دفاعي مع أنقرة يسمح بوجود قواعد عسكرية تركية على الأراضي السورية. كان رد إسرائيل عنيفًا، حيث هدد وزير الدفاع الإسرائيلي بأن “أي تحرك تركي سيكون له عواقب وخيمة”، لتتبعه غارات استهدفت مواقع كانت تُجهّز للانتشار التركي، مثل مطار حمص العسكري وقاعدة “T4”.

مع تسرب هذه المعلومات إلى الموساد، بدأت تل أبيب حملة منظمة لوقف هذا التقارب، مما دفع القيادة السورية الجديدة للهرولة إلى قطر طلبًا للوساطة مع روسيا لإعادة غطاء الحماية الروسية الذي تمتعت به دمشق سابقًا.

وفي موازاة ذلك، تتذرع إسرائيل بحماية الطائفة الدرزية في المنطقة، فتتدخل كلما وقع خطر عليهم، كما حدث في المجزرة التي راح ضحيتها 36 درزيًا. وادعت إسرائيل حينها أنها “المدافع عن أمن الدروز”، ولكن الهدف الحقيقي كان بسط الهيمنة على الجولان وجبل الشيخ وجنوب دمشق، ومنع التمدد التركي، إلى جانب طمأنة الدروز داخل إسرائيل، خاصة العسكريين، بأن تل أبيب حريصة على أمنهم في كل مكان.

اليوم، وبعد أن تعرض مطار “بن غوريون” لضربة رمزية من الحوثيين، يتوقع الجميع أن يكون الرد الإسرائيلي أشد وأوسع، بتكثيف الغارات على لبنان وسوريا، وزيادة وتيرة التدمير والتجويع في غزة، والضغط على إيران في اليمن ومدخل البحر الأحمر، في إطار خطة ضغط إقليمي شامل، تستغل فيها إسرائيل أي تهديد لتوسيع نفوذها وتحقيق أهدافها الكبرى.

ثانيًا: المخطط السياسي والاجتماعي

الجانب العسكري ليس سوى جزء من المشهد الأكبر. فالجانب السياسي والاجتماعي لا يقل خطورة، بل يُعد الأخطر لأنه يعمل على تغيير بنية المجتمعات من الداخل. ففي بعض الدول العربية، يتم منح الجنسية لليهود الأوروبيين والأمريكان تحت ذرائع متعددة، ليصبحوا مواطنين عربًا بحقوق كاملة، بل ويتم دفعهم تدريجيًا إلى مواقع التأثير والقرار، مما يُمهّد لانقضاض ناعم على الحكم في هذه البلاد.

إنها سياسة طويلة الأمد تهدف إلى تمكين العناصر الموالية للصهيونية من التحكم في مفاصل الدول العربية من الداخل، بعد إخضاع الإعلام والتعليم والثقافة لخدمة هذا التوجه. وهو مخطط يُنفذ بإتقان، بصمت، وبدعم دولي، تحت مسميات مثل “الانفتاح”، و”التسامح”، و”التنوع”.

ثالثًا: الهيمنة الاقتصادية وإخضاع القرار العربي

أما من الناحية الاقتصادية، فإن الهيمنة باتت شبه كاملة. فالعرب لم يعودوا يتحكمون في مواردهم، ومدخراتهم النفطية تحت إدارة بنوك أمريكية وأوروبية، والاستيراد أصبح السمة الأساسية لاقتصاداتهم. أصبح من الطبيعي أن تفتخر بعض الدول العربية بأن مصانع أوروبا تُزوّدها بكل شيء، وأن الشركات الأجنبية هي من تدير مصانعها، ومطاراتها، وموانئها، بل ومدارسها ومستشفياتها.

وليس هذا فحسب، بل إن الأصول العربية تُباع أمام أعين الجميع: أراضٍ، مصانع، مبانٍ، وحتى المتاحف والجامعات. بل وظهرت قرارات مثل القرار المغربي الذي يمنح اليهود المنحدرين من أصول مغربية الجنسية، وإعادة ممتلكاتهم التي تم بيعها منذ عقود، بقوة القانون. هذا يعني عودة النفوذ الصهيوني بقوة إلى المجتمعات العربية تحت عباءة “الحق التاريخي”، في تمهيد واضح لامتداد الهيمنة الإسرائيلية.

رابعًا: مشهد مرعب وتحذير نبوي

إن ما يحدث اليوم ليس عشوائيًا، بل هو تنفيذ دقيق لهندسة جيوسياسية تهدف إلى: إضعاف الجيوش العربية، وتفكيك المجتمعات طائفيًا وعرقيًا، وتدمير الاقتصاد المحلي بالاعتماد على الاستيراد، وتطويع العقول، خاصة الشباب، لقبول إسرائيل كقوة لا تُحاسب.

وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوضع، حين قال: “يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها…” فقال الصحابة: “أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟”، فقال صلى الله عليه وسلم: “بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل…”

وفي حديث آخر قال: “لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة…” فهل نحن على وشك السقوط الكامل؟ وهل أصبح الحلم الصهيوني قاب قوسين أو أدنى من التحقيق؟

الإجابة مرهونة بوعي الشعوب وصدق القيادات. وإذا كان الوطن العربي قد خضع في أجزاء كثيرة منه لهذا المخطط، فإن مصر، بحكم التاريخ والمكان والدور، أصرت بوطنيتها ألا تكون جزءًا من هذا الاستسلام. مصر التي أسقطت المشروع الاستعماري منذ الهكسوس مرورًا بالتتار والصليبيين، وصولًا إلى فرنسا وإنجلترا، كانت وما زالت صخرة تتحطم عليها كل مؤامرات الشرق والغرب.

اسرائيل
ناصر السلاموني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى